للسعودية أسباب عديدة لكي تتوجّس من سيطرة حركة «طالبان»، المعدَّلة جينيّاً للانخراط في «المجتمع الدولي»، والمبتعدة عن التزمّت السياسي السعودي، على كابول، وسط ذهول عالمي من سرعة سقوط المدن الأفغانية، بعد أن دار الزمن دورة كاملة، وعاد إلى نقطة البداية. لكن الواقع هو أن ما جرى كان يُطبخ منذ سنين في الدوحة، حيث أقيم للحركة مكتب تمثيل سياسي، بضوء أخضر أميركي، لغرض التفاوض بينها وبين الأميركيين، في رحلة التعديل الجينيّ التي دامت طويلاً، حتى يصبح ممكناً إنهاء هذه الحرب المكلفة بشرياً ومادياً، بعد أن تصبح «طالبان» التي فضّل قادتها ذات يوم الموت على تسليم زعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن، لأنّهم أعطوه الأمان، أكثر قابلية للانخراط في ديناميات سياسية. مع ذلك، كان النقاش في قاعة الاجتماعات في فندق «شيراتون - الدوحة»، يدور بالتوازي مع القتال الذي لم تكن الحركة لتقبل بإيقافه قبل زوال الاحتلال. فـ«طالبان»، بغضّ النظر عن ارتباطاتها ومنشئها في إحدى حاضنات المخابرات الباكستانية، وعدائيّتها تجاه كلّ مخالف في الرأي، سواءً كان فرداً أم مجموعة أم دولة، تبقى حركة مقاومة للغزاة، وهذه نقطة قوّتها الرئيسة التي تجعلها قادرةً على إسقاط أفغانستان بمثل السرعة التي سقطت فيها، بمجرّد خروج الآلة الحربية الأميركية التي لا يمكن أن تقارَن بقوّتها عندما كانت واشنطن مستعدّة لدفع ثمن الاحتلال، وهي لم تَعُد.السعودية مثّلت الحليف الأوّل لـ«طالبان»، إنما بحلّتها القديمة، عندما كانت تخدم أجندة الرياض، ومعها واشنطن، باستخدام النسخة الأكثر تزمّتاً من الإسلام التي تولّت المملكة نشرها لبسط النفوذ في العالم، قبل أن يقلب ابن لادن الطاولة على الجميع. والسعودية، مع الإمارات وباكستان، هي الدول الوحيدة التي اعترفت بنظام الحركة عندما سيطرت على أفغانستان في العام 1996. لكن الزمن تَغيّر على المملكة، كما تَغيّر على «طالبان»، ليس بالمعنى الديني فقط، وإنما السياسي أيضاً. فسعي محمد بن سلمان إلى خلع عباءة الوهابية عن كتفَيه، ليس هو الذي يمكن أن يفسد العلاقة مع الحركة، إنما مشكلته الحقيقية أن الإقامة الطويلة في قطر، وضعت «طالبان» في مكان آخر ليس لابن سلمان تأثير كبير فيه، وجعلتها أقرب إلى الحلف «الإخواني» الذي يضمّ قطر وتركيا، منها إلى الوهابية السعودية، بصيغتَيها الجديدة المخفّفة والقديمة كاملة الدسم.
الزمن تَغيّر على المملكة، كما تَغيّر على «طالبان»، ليس بالمعنى الديني فقط، وإنما السياسي أيضاً


البيان الرسمي السعودي بعد سقوط كابول لا يقول الكثير، لكن إتيانه على ذكر وقوف المملكة إلى «جانب الشعب الأفغاني الشقيق وخياراته التي يقرّرها بنفسه دون تدخّل من أحد»، تبدو إشارة واضحة إلى ما تَعتبره الرياض تدخّلاً تركياً محتملاً من خلال إمكانية السيطرة على مطار كابول. وما لم يَقُله البيان صراحة، ذكره حساب «ملفّات كريستوف» على «تويتر»، والذي يقول معارضون سعوديون إن مستشار ابن سلمان سعود القحطاني هو الذي يديره شخصياً. إذ ذكر الحساب أن السعودية ترى أن مجرّد قبول «طالبان» بتسلّم تركيا زمام الأمور في أماكن كالمطارات والمنشآت، يعني وجود نوايا سيّئة لديها ضدّ العرب. هذا أحد أسباب التوجّس السعودي من استعادة الحركة للسلطة في كابول. أمّا السبب الثاني فهو أن السعوديين يشعرون بأنهم تعرّضوا لـ«خديعة» من قِبَل الأميركيين في أفغانستان أيضاً، وبأن ما جرى في كابول هو إخراج لـ«تمثيلية» جرى إعدادها في الدوحة، تقضي بـ«تسليم» البلد لـ«طالبان»، مقابل تعهّدها بعدم دعم الإرهاب مرّة أخرى، وتلبية مستلزمات الانخراط في «المجتمع الدولي»، إلى جانب اتفاقات اقتصادية، حيث ذكر «كريستوف» نفسه أن أفغانستان تملك أكبر احتياطي من الليثيوم الحر في العالم، وثاني أكبر احتياطي من النحاس، وثاني أكبر احتياطي من البريليوم المصنّف كمادة استراتيجية للأمن القومي الأميركي، و1.4 مليون طن من المعادن النادرة، و2.2 مليار طن من خام الحديد. «كريستوف» لم يوفّر قطر، فلاحظ انتشار حوارات صوتية لمواطني «إحدى الدول الخليجية» التي تحتضن أكبر تواجد عسكري أميركي، وهم يحتفلون عبر تطبيق أميركي بذكرى هجمات 11 أيلول، ويردّدون شعارات تدعو إلى جزّ الرؤوس وإثارة الفوضى.
يبقى السبب الثالث، وهو أن العلاقة بين «طالبان» وإيران قطعت شوطاً كبيراً نحو تفكيك العدائية التي بلغت أوجها، عندما أعدمت الحركة لدى سيطرتها على أفغانستان في المرّة الأولى، 11 ديبلوماسياً إيرانياً في قنصلية طهران في مزار شريف في آب 1998. ومع ذلك، لم تردّ طهران بالمثل عندما هرب عدد من قادة «طالبان» وتنظيم «القاعدة» إلى أراضيها خلال الغزو الأميركي لأفغانستان في أواخر العام 2001. وبحسب ما يتداوله معارضون سعوديون، وتؤكدّه الأنباء الواردة من أرض الحدث أيضاً، فقد أرسلت «طالبان» وفوداً إلى كلّ الدول المعنية، بما فيها إيران، لطمأنتها إلى نواياها تجاهها وتجاه أقلّية الهزارة الشيعية في البلاد، وهو ما كان ظهر ابتداءً بعد سيطرة الحركة على مدينة هراة المحاذية لإيران الأسبوع الماضي، باتفاق مع الزعيم الشيعي، إسماعيل خان، على تسليم نفسه والمدينة بلا قتال، توازياً مع طمأنة «طالبان»، طهران، إلى مصير موظّفي القنصلية الإيرانية في المدينة. هذا التطوّر في العلاقة بين الطرفين، والذي ساهمت فيه قطر، ليس مريحاً للسعودية التي تجد نفسها بلا تأثير في هذه المنطقة، ما خلا إمكانية استخدام علاقتها مع باكستان للتقرّب من الحركة، باعتبار أن البلد الجار هو الرئة التي تتنفّس منها «طالبان» التي يتركّز ثقلها الشعبي في المنطقة الباشتونية على الحدود الأفغانية - الباكستانية.
لن تجلس السعودية على الهامش فيما العالم من حولها يشهد تغييرات بهذا الحجم، وعلى الأغلب ستستأنف العلاقات مع «طالبان»، لكنها هذه المرّة ستحتاج إلى وسطاء مع الحركة. وإلى جانب باكستان، قد تحتاج أيضاً إلى قطر التي ستكون، كما يبدو، العرّاب الرئيس في دمج «طالبان» في «المجتمع الدولي»، الذي سيعترف تدريجياً بالحكم الجديد، إذا كانت إشارات الطمأنة الأوّلية الصادرة عن الأخير، تعكس السياسة الحقيقية للحركة.



مفتي عُمان «يستخرج» الصلافة الأميركية


أخرج مفتي عمان، الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، السفير الأميركي السابق لدى السلطنة، جيرالد فايرستاين، عن طوره، حين وصف انتصار حركة "طالبان" في أفغانستان بـ"الفتح المبين" و"النصر العزيز على الغزاة المعتدين". إذ ردّ فايرستاين بصلافة على تصريحات المفتي، معتبراً أنها لا تمثّل وجهة النظر الحكومية العمانية، قائلاً لموقع "الحرة" الأميركي إن "لدينا علاقات قوية مع عمان، وبالتأكيد عمان كانت داعمة لما كنا نحاول تحقيقه في أفغانستان طوال الأعوام العشرين الماضية". واعتبر أن "المفتي قد يكون يختبر مدى صلابة نوايا الحكومة لمتابعة هذا النوع من التصريحات"، متوقعاً أن "الحكومة والسلطان لن يسمحا لهذا (التوجه) بالذهاب بعيداً جداً، وبشكل أساسي سيطالبان بألّا تتقدّم السلطة الدينية بخطواتها على الحكومة".
وكان المفتي قد خرق الصمت الخليجي الأبلغ من الكلام، حين نشر تغريدة على "تويتر"، مضمّناً إياها "تهنئة أنفسنا والأمة الإسلامية جميعاً بتحقيق وعد الله الصادق"، راجياً "من الشعب المسلم الشقيق أن يكون يداً واحدة في مواجهة جميع التحدّيات وأن لا تتفرّق بهم السبل وأن يسودهم التسامح والوئام"، وأن "تتحقّق أمنيتنا الكبرى بتحرير المسجد الأقصى المبارك وجميع الأراضي المحتلة حوله، وبذلك تغسل الأمة عن جبينها عار الاحتلال الذي تلطّخت به ردحاً من الزمن".