لندن | وافقت المحكمة العليا البريطانية، أوّل من أمس، على طلب الحكومة الأميركية توسيع نطاق استئنافها لحُكم تسليم جوليان أسانج، وقرّرت عقد جلسة الاستماع إلى الاستئناف في 27 - 28 تشرين الأول 2021. وكانت محكمة ابتدائية منعت، في كانون الثاني من هذا العام، تسليم أسانج إلى الولايات المتحدة على أساس أن إرسال ناشر «ويكيليكس» إلى السجن الأميركي حيث الظروف شديدة القساوة، من شأنه أن يعرّضه لخطر الانتحار. وعلى رغم غياب تهم محدّدة ضدّ أسانج، وسقوط جميع المطالبات القانونية بحقّه، إلا أن المحكمة لم تطلق سراحه، ولو بضمان مكان إقامته مع شريكته وأولادهما في بريطانيا، وأبقته في حال عزلة في الأسر، وذلك بحجّة إتاحة الفرصة للجانب الأميركي لتقديم استئناف للقرار. وبالفعل، قدّم المدّعون العامون الذين يمثّلون الولايات المتحدة طعناً في الحُكم الابتدائي إلى المحكمة الملكية العليا، وطلبوا الإذن بالاستئناف بناءً على خمسة أسباب، لتمنحهم المحكمة إذناً محدوداً بالتقدّم باستئنافهم تأسيساً على ثلاثة فقط من الأسباب الخمسة. ومثّل هذا نوعاً من الأمل بإنقاذ أسانج من براثن الجلاد الأميركي المتربّص به، كونه يحمي الأساس الصحّي/ السيكولوجي للحُكم الابتدائي من الجدل. وفي جلسة الأربعاء، استمع قاضيان آخران في المحكمة العليا نفسها لاعتراضات أميركية حول استبعاد السببَين الآخرين، ليقرّرا «باسم جلالة الملكة» أنهما سيسمحان الآن بتقديم استئناف تامّ وفق رغبة ممثّلي الجانب الأميركي، وحدّدا 27 - 28 تشرين الأول موعداً للجلسة. وتابع جوليان إجراءات المحكمة عن طريق الفيديو، من سجن «بلمارش» ـــ شمال لندن ـــ المخصّص لعتاة المجرمين والإرهابيين، فيما أصيبت عائلته وعشرات من أنصاره خارج المحكمة بالغضب، وسخروا ممّا اعتبروه «مسرحية هزلية أشبه بكوميديا سوداء».
يواجه أسانج حُكماً متوقّعاً بالسجن لـ174 عاماً عقاباً له على نشر وثائق رسمية أميركية سرّية

وكانت المحكمة، في قرارها السابق بمنح إذن محدود لتقديم الاستئناف، رفضت استبعاد شهادة البروفيسور مايكل كوبلمان، وهو أحد أهمّ علماء النفس والأعصاب في العالم الذي كلّفته الحكومة البريطانية بتقييم الحالة الصحّية والسيكولوجية لأسانج في السجن. وقد استنتج وقتها بأن الجمع بين التوحّد والاكتئاب السريري يُعرّض أسانج لخطر الإقدام على الانتحار في حال تسليمه للولايات المتحدة. ويريد الأميركيون استبعاد شهادة كوبلمان على أسس شكلية، والمحاججة بأن القاضية التي أصدرت الحُكم الابتدائي أخطأت في «تقييمها العام للأدلّة التي تشير إلى خطر الانتحار». والجدير ذكره، هنا، أن كوبلمان لم يكشف في تقريره الأول أنه كان على علم بأن أسانج على علاقة بالمحامية البريطانية ستيلا موريس، وأن لديهما طفلين معاً، وإن أشار إلى أطفال أسانج بعبارات عامّة على أنهم على صلة بمخاوفه من التسليم. وقد استجوبه الادّعاء لاحقاً بشأن هذا الإغفال في جلسة أيلول الماضي، بعدما تمّ الكشف عن تلك العلاقة للعموم، ليوضح وقتها أنه «اتّخذ قراراً صعباً باستبعاد هذه المعلومات لاحترام خصوصية أسرة أسانج». وقرّرت القاضية في المحكمة الابتدائية، في حكمها الصادر في كانون الثاني الماضي، منع تسليم أسانج على اعتبار أنه «في حين كان ينبغي على كوبلمان الكشف عن معرفته بالعلاقة، فإن الإغفال لم يجعل من أدلته غير مقبولة»، واعتبرت تصرّف البروفيسور «تعاطفاً إنسانياً مفهوماً مع مأزق السيّدة موريس».
وبفتح المجال الآن أمام الجانب الأميركي لتفكيك الأرضية الصحّية والسيكولوجية التي اتُّخذ على أساسها الحُكم الابتدائي للمحكمة البريطانية بمنع التسليم، فإن ذلك يبعثر كلّ أمل تقريباً في إمكان تجنّب الصحافي والناشر المحاصَر والمطارَد من قِبَل حكومة الولايات المتحدة منذ عقد، مصيراً مظلماً في سجن «فلورنس» ذي السمعة السيّئة، وحُكماً متوقّعاً بالسجن لـ174 عاماً عقاباً له على نشر وثائق رسمية أميركية سرّية كشفت طرائق عمل النظام الأميركي، وفضحت جرائم حرب ارتكبها الأميركيون وحلفاؤهم ضدّ الإنسانية في غير بلد.