لم تكفِ تركيا حرائق الغابات الواسعة، حتّى تستفيق على مجزرة عرقيّة استهدفت عائلة كردية بكاملها في منطقة ميرام في مدينة قونية. فللمرّة الثانية بعد اعتداء أوّل طاولها في 12 أيار الماضي، تتعرّض عائلة ديدي أوغلو لاعتداء لم يُبقِ من أفرادها السبعة، هذه المرّة، أحداً حيّاً، وذلك على يد مجموعة من الأشخاص الذين جاهروا بانتمائهم إلى حزب «الحركة الوطنية» القومي المتشدِّد، شريك حزب «العدالة والتنمية». ويلفت غياث الدين ألماز، أحد قادة «حزب الشعوب الديمقراطي» الكردي، إلى أن جميع أفراد العائلة قُتلوا بتسع عشرة رصاصة، بعدما نجوا من اعتداء سابق على يد 60 شخصاً أُطلق سراح معظم مَن اعتُقل منهم. ويعتقد ألماز أن هذه الحادثة «لا تقع بتاتاً في إطار الخلافات العائلية، لأنه ليس من خلافات سابقة بين هذه العائلة وأيّ عائلة أخرى»، مُذكّراً بأنه أثناء الهجوم الأوّل، ارتفعت أصوات المهاجمين، متوعّدة بأنه لن يبقى كردي في هذه المنطقة. وكان أحد ضحايا المجزرة، المدعو باريش ديدي أوغلو، تحدّث في أعقاب الهجوم الأوّل إلى صحيفة «غازيتيه دوار»، عن أن السبب وراء الاعتداء «عرقي»، وأن المهاجمين صرخوا في وجه عائلته، قائلين: «نحن قوميّون وسوف نقتلعكم من هنا». واستدعت الواقعة الأخيرة اجتماعاً عاجلاً لـ«حزب الشعوب الديمقراطي» الكردي، تحدَّث بعده رئيسه، مدحت سنجار، ليحمّل السلطة المسؤولية كاملة؛ كونها تُغذّي، منذ وقت طويل، «خطاب الكراهية». وأشار إلى أن الهجمات العرقية تتكرّر في أكثر من مدينة وناحية، معتبراً أن هناك «مخططاً يُنفَّذ لتعميم الفوضى وضرب الأكراد حيثما وجدوا، فضلاً عن ضرب حزب الشعوب الديمقراطي». من جهته، سارع «حزب الشعب الجمهوري» إلى إرسال بعثة تقصٍّ إلى قونية، وأعلن النائب عن الحزب، عبد اللطيف شينير، أن ما تجمَّع من معلومات لدى الهيئة يشير إلى أن الدوافع وراء المجزرة «عرقية»، فيما حمّل القيادي في «الشعب الجمهوري»، فكري صالار، «العدالة والتنمية» مسؤولية ما جرى، بسبب نشره «خطاب النفور والتفرقة وارتكابه المجازر العرقية ضدّ المواطنين الأكراد». ورأى النائب الكردي، كمال بلبل، بدوره، أن وزير الداخلية، سليمان صويلو، ومحافظ قونية ومدراء الأمن فيها «شركاء في المجزرة»، وهي تهمة سارع الوزير إلى نفيها، قائلاً إن «مَن يطلق مثل هذه التصريحات إنّما يحرّض على أعمال العنف وحصْر المجزرة في إطار الانتقامات الشخصية».
حظيت حرائق الغابات في تركيا باهتمام واسع، ولا سيما لجهة اتهام «حزب العمّال الكردستاني» بافتعالها


على خطّ موازِ، حظيت حرائق الغابات في تركيا باهتمام واسع، ولا سيما لجهة اتهام «حزب العمّال الكردستاني» بافتعالها. ونشب 71 حريقاً كبيراً في 21 محافظة تركية، على رأسها المناطق السياحية الغربية مِن مِثل مرمريس وبودروم وأنطاليا ومانفغات، ما بين 28 و30 تموز، ما دفع السلطة إلى الاستنجاد بطائرات دول مجاورة لإطفاء الحرائق، بعدما لم تجد طائرة محلّية واحدة لإطفاء الحرائق. وفي هذا الخصوص، تساءلت صحيفة «يني أوزغور بوليتيكا»: «كيف يمكن أن تكون لدى اليونان الأصغر من تركيا بكثير 38 طائرة إطفاء حرائق، ولا توجد في تركيا طائرة واحدة؟»، لتجيب بأن «عدد الطائرات التركية التي شاركت في قصف كردستان وشمال العراق بلغ 537 طائرة حربية و78 طائرة هليكوبتر، بل إنه في وقت كانت فيه الحرائق تشتعل في كلّ مكان، كان الطيران التركي يقصف شمال العراق». ولفتت الصحيفة إلى أن أسطول الطائرات العائد إلى رئاسة الجمهورية يبلغ، مثلاً، 13 طائرة. وتفيد الأرقام بأن مؤسّسة الطيران التركية تمتلك تسع طائرات لإخماد الحرائق، ثلاث منها لتزويد باقي الطائرات بقطع غيار في الجوّ، بينما الطائرات الستّ المتبقية عاطلة من العمل. كما تشير الأرقام إلى أن مساحة الغابات المحترقة في عام 2019 بلغت 11 ألف هكتار، بينما ارتفعت في عام 2020 إلى 21 ألف هكتار من جرّاء 3 آلاف و412 حريقاً.
على هذه الخلفية، أطلق الإعلام الموالي للسلطة حملةَ تحريض واسعة على الأكراد، متّهماً إيّاهم بالتسبّب بالحرائق. وكتبت صحيفة «يني شفق» أن «العمّال الكردستاني يحرق الغابات ويقوم بأعمال تخريبية». ولاقت تغريدة لرئيس التحرير السابق للجريدة، إبراهيم قره غول، المقرَّب من إردوغان، اتهم فيها «الشعب الجمهوري» بالتعاون مع «العمال» لافتعال الحرائق، استنكاراً واسعاً، الأمر الذي دفع الكاتب إلى حذفها لاحقاً. وعلى رغم حذفها، كرّر الكاتب الاتهامات نفسها في مقالته التي نشرها أمس في «يني شفق». وهو ما دفع عضو «الشعب الجمهوري»، إيرين أرديم، إلى توعُّد قرّه غول بتقديمه إلى المحكمة على خلفية «افتراءاته وأكاذيبه»، فيما انتقد النائب عن الحزب، آيقوت إردوغدو، الأصوات التي تُحمّل «العمال» والأكراد مسؤولية حرائق الغابات، قائلاً: «لقد تعبنا من الجهل والتعمية والفاشية». واتّهم موقع إخباري بارز ومؤيّد للقوميين، ومعه رئيس «حزب الوطن»، دوغو بيرنتشيك، القومي الاتجاه، حزب «العمال» بافتعال الحرائق، بل حتى إنهما دعوَا المحكمة الدستورية إلى حلّ «حزب الشعوب الديمقراطي» فوراً. وعرضت وسائل إعلام تلفزيونية وسماً في أعلى الشاشات يقول: «حزب العمال الكردستاني أَحْرَق»، علماً أن أحداً لم يقدّم بعد أيّ دليل على تورّط الحزب في الحرائق.