قد تدفع سلسلة الصفقات التي أبرمها العراق مع الصين في الفترة التي سبقت زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، إلى واشنطن، هذا الأسبوع، بما في ذلك بناء الصين لمجمع مصافي الفاو الرئيسي، بالرئيس الأميركي جو بايدن، إلى صياغة استراتيجية عملية حقيقية لمواصلة انخراطه في العراق.
ومنشأة الفاو، الواقعة في جنوب البصرة، مع هياكلها الأساسية المحيطة والبنى التحتية المرتبطة بها، هي المفتاح لمعظم إمدادات العراق الحالية والمستقبلية من النفط الخام. وإلى جانب وجود الصين في أماكن أخرى من العراق، وعلى امتداد دولة إيران الشريكة المهيمنة، تمكّنت بكين من تأمين وجود ثابت داخل أكبر قوتين للطاقة الهيدروكربونية في الشرق الأوسط، إلى جانب المملكة العربية السعودية (التي تعمل الصين أيضاً على التواجد فيها بالتوازي مع روسيا)، في أكبر وأهم انتزاع للأراضي منذ الحرب العالمية الثانية.

وبحسب الإعلان الصادر، الأسبوع الماضي، عن وزير النفط العراقي، إحسان عبد الجبار، وافقت «لجنة الإشراف على الأصول وإدارتها» المملوكة من الدولة الصينية (SASAC) على تمويل مشروع مصفاة الفاو، الذي سينتج ما لا يقل عن 300 ألف برميل في اليوم من النفط الخام، في المنطقة الجنوبية المعبأة بحقول النفط في العراق، والتي تمتد إلى شبه جزيرة الفاو. وما أن حصل العراق على ضمانة اللجنة، بأنها تكفل جميع النتائج المطلوبة لمشروع المصفاة الحاسم استراتيجياً، منحت العقود المحددة إلى شركة الصين الوطنية للهندسة الكيميائية (CNCEC)، والتي تشمل بناء المصفاة، والتدريب ونقل التكنولوجيا، والتشغيل والصيانة. وبالإضافة إلى أفراد الوحدة الصينية المكثفة التي ستشارك في أعمال التشييد الجارية، وفي مناطق التدريب والتشغيل والصيانة في المصفاة، سيكون هناك أيضاً «أفراد الأمن المتخصصين» من الصين، «لضمانة سلامة الموقع بأكمله»، بحسب ما أفاد أحد كبار رجال صناعة النفط والغاز، الذي يعمل بشكل وثيق مع وزارة النفط العراقية، لموقع «OilPrice.com» في الأسبوع الماضي.

وبالتوازي مع هدف العراق الجديد المتمثل بزيادة إنتاج النفط الخام إلى 7 ملايين دولار في اليوم، بحلول عام 2027 كحد أقصى، أعلنت بغداد في بداية هذا العام عن خطط لتعزيز القدرة التصديرية للنفط الخام من منطقتها الجنوبية في جزيرة الفاو ومحيطها، بنسبة 72 في المئة، خلال السنوات الثلاث المقبلة. بمعنى آخر، تعتزم وزارة النفط العراقية زيادة القدرة التخزينية في الفاو إلى 24 خزان تخزين، تبلغ مساحة كلّ منها 58 ألف متر مكعب (أي حوالي 365 ألف برميل)، بحيث تبلغ قدرتها مجتمعة حوالي 8.76 مليون برميل. وستضاف هذه الأخيرة إلى صهاريج التخزين الستة القائمة بالفعل. وتتلخص الخطة في إعادة التأكيد على خطة بناء البنية الأساسية الأصلية لصادرات النفط الخام وتوسيعها، والتي كانت على وشك أن تبدأ فعلاً، قبل قيام تنظيم الدولة الإسلامية بأعمال شغب في مختلف أنحاء العراق منذ عام 2006. وفي ذلك الوقت، كانت لدى وزارة النفط خطط واقعية لبناء ما لا يقل عن 12 صهريج تخزين تعمل بشكل دائم، ومنشآت مزج في الفاو ومحيطها، بحلول نهاية عام 2016. أما الهدف على المدى الطويل، فكان إنشاء 24 صهريج تخزين و8 ملايين برميل من النفط الخام في اليوم، على أن يرتفع العدد في ما بعد.

وبالرغم من أنّ مسار تصدير النفط العراقي الخام إلى الشمال، وإلى البر الرئيسي لأوروبا عن طريق ميناء جيهان التركي، يبدو نظرياً الخيار الأفضل، فإنّ الاعتبارات السياسية العملية التي ينطوي عليها، تجعل هذه النظرية عتيقة. في الواقع، كان خط الأنابيب الأصلي من كركوك إلى جيهان، والذي يطلق عليه أيضاً «خط أنابيب العراق-تركيا»، يتألف من أنبوبين، يتمتعان نظرياً بطاقة اسمية تبلغ 1.6 مليون برميل في اليوم (1.1 مليون برميل في اليوم للأنبوب البالغ قطره 46 إنشاً، ونصف مليون برميل في اليوم للأنبوب البالغ قطره 40 إنشاً). وحتى قبل دخول «داعش» إلى الصورة، كان خطّ الأنابيب هذا عرضة لهجمات متكررة ومتواصلة، من مختلف الجماعات المقاتلة في المنطقة.

وقد أدى ذلك إلى إشراف حكومة إقليم كردستان شبه المتمتع بالحكم الذاتي في العراق، على إنجاز مسار ذي جانب واحد، من حقل تاق عبر خورمالا. وهو يمرّ أيضاً في خط أنابيب كركوك- جيهان في مدينة فيشخابور الحدودية، والذي تبلغ طاقته الاستيعابية 0.7 مليون برميل في اليوم، قبل أن ترتفع إلى 1 مليون برميل. ومما زاد الوضع تعقيداً، الخلافات الدائمة مع حكومة كركوك حول صفقة «الميزانية مقابل النفط»، التي أبرمت في عام 2014، قبل أن تخطط بغداد بدلاً من ذلك لتجديد قسم خطوط أنابيب النفط المملوكة للحكومة الاتحادية وإعادة فتحه، والذي يمتدّ من كركوك إلى جيهان، متجاوزاً بذلك أي سيطرة من جهة كردستان، قبل أن تجف أموال الحكومة.

في الواقع، ينسجم بناء مرافق التصدير في الفاو مع حقيقة أنّ جميع جهود التصدير في حكومة العراق الاتحادية تتركز نظرياً على منشأة البصرة في الجنوب. ولإيصاله إلى البصرة، يتم نقل النفط عن طريق خطوط الأنابيب الداخلية، التي تبين في السابق أنها غير سليمة وتحتاج إلى التحديث. ومن هناك، يشق النفط طريقه إلى مستودع الفاو الرئيسي للتصدير، حيث يتم تخزينه ومزجه. وهنا أيضاً، لم يكن هناك استثمار كاف في الماضي، ولا وجود لرؤية مستدامة حول مستقبل المستويات الحالية للنفط، مما يعني أن إمدادات النفط كانت مدعومة في حقول النفط نفسها، مما أدى إلى عقبات في الإنتاج. وفي السابق، أدى ذلك أيضاً إلى تعطيل بدء العمل بالفئة الجديدة من النفط في العراق، البصرة المتوسطة، التي كان من المقرر أن يضاف إنتاجها إلى الإيرادات التي تولّدها محطتا البصرة الحاليتان، «البصرة الخفيفة» و«البصرة الثقيلة».

وسيُصبح الوضع أكثر فعالية نوعاً ما، مع ضخ الفاو للنفط إلى المنخفضات ذات النقطة الواحدة (SPM)، إذ إنّ هنالك خمسة منها حتى الآن، من ضمنها أربعة في الاستخدام المستمر، في حين يخضع الخامس للصيانة المنتظمة. كما كان هناك بعض التوسع في قدرة الموانئ النفطية الحالية، في خور العمية (KAAOT) والبصرة (ABOT).

وفي السياق نفسه، إلى جانب الزيادة الهائلة في قدرات العراق على تصدير النفط، وقّع هذا الأخير في أواخر عام 2020، اتفاقاً مع شركة البناء البحرية الهولندية، «رويال بوسكاليس وستمنستر»، لبناء جزيرة اصطناعية جنوب محطة «ABOT» في الخليج الفارسي، على أن يقع مشروع الجزيرة الاصطناعية الجديد على بعد 4 أميال بحرية جنوباً من الميناء. وسيتم إلحاق ميناء للصادرات بالجزيرة، وسيشمل أربعة أرصفة ميناء، على أن تتضمن مرافق لتحميل ما يصل إلى أربع ناقلات خام ضخمة معاً، كل منها قادر على تحمل 320 ألفاً من الحمولة الساكنة.

وستزيد مشاركة الصين عبر مشروع خطة بناء الفاو، وهو بمثابة حجر زاوية، من بدء تمويلها لأي من المشاريع في العراق وحتى جميعها، ممّا سيسهم في ترسيخ دورها بشكل حازم وأساسي في قطاع النفط والغاز في العراق، وإيران، أو في زيادة تواجدها في مواقع أخرى، حيث البنية الأساسية الحيوية للبلاد. وفي وقت مبكر من هذا العام، ضمن إطار التنمية التي شهدتها الفاو، تمّ الإعلان عن موافقة بغداد على مشاريع بنية تحتية بقيمة 1 تريليون دينار عراقي، أي 700 مليون دولار أميركي، في مدينة الزبير في مركز النفط التابع لمحافظة البصرة في جنوب العراق. ووفقاً لما ذكره محافظ المدينة، عباس السعدي، فإنّ شركة صينية ستتولى المرحلة الثانية من المشروع. ووفق ما أفاد مصدر مطلع للموقع، فإنّ هذه المشاركة الصينية تندرج ضمن اتفاق «النفط مقابل الإعمار والاستثمار» الأوسع، وهو يسمح للشركات الصينية بإنجاز مشاريع في العراق مقابل النفط.

وفي الأسبوع الذي سبق الإعلان عن هذا المشروع، تمّ الكشف عن قرار مماثل مفاده أنّ العراق منح للتو شركة صينية أخرى عقداً لبناء مطار مدني، يحل محل القاعدة العسكرية، في عاصمة محافظة ذي قار الغنية بالنفط في الجنوب. وتضم منطقة ذي قار اثنين من أكبر حقول النفط العراقية المحتملة، هما حقل الغراف وحقل الناصرية. ومن المقرر أن تستكمل الصين بناء المطار بحلول عام 2024. وسيشمل هذا المشروع تشييد مبانٍ متعددة للشحن، وطرق تربط المطار بمركز المدينة، وبمناطق النفط الرئيسية الأخرى في جنوب العراق. وهذا بدوره جاء بعد صفقة أخرى، أُعلن عنها في الأسبوع السابق، ذكر فيها مسؤولون عراقيون أنه يجري الاتصال بشركات صينية للنهوض بمدينة الصدر، الواقعة بالقرب من بغداد، بتكلفة تتراوح بين 7 و8 مليارات دولار أميركي، وذلك أيضاً في إطار اتفاق «النفط مقابل الإعمار والاستثمار» المبرم في عام 2019.

(المصدر: سايمون واتكينز - «أويل برايس»)