يمثّل قبول إسرائيل عضواً مراقباً في الاتحاد الأفريقي ثمرة جهود مكثفة وطويلة قادها مسؤولو الكيان العبري، خصوصاً في السنوات الأخيرة من عهد بنيامين نتنياهو، من أجل تعميق الخرق الحاصل في القارة السمراء. وهي جهود وازتها وكمّلتها أيضاً مساعي دول أفريقية عريقة في التطبيع، كما إثيوبيا وجنوب السودان والكونغو الديموقراطية، في سبيل تشريع أبواب القارة أمام الإسرائيليين. وإذ يُتوقّع أن يكون للتطور الأخير تأثير سلبي واضح على حضور القضية الفلسطينية على الأجندة الأفريقية، فإن مستقبله يظل مرهوناً بجملة عوامل على رأسها تجاوزه الأروقة الدبلوماسية في الاتحاد
قبل يوم واحد من ذكرى «ثورة يوليو» المصرية، التي أنتجت حضوراً مصرياً ثرياً في القارّة الأفريقية، أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن إسرائيل ستنضمّ إلى الإتحاد الأفريقي بصفة «مراقب»، ليُسلّم سفيرها في أديس أبابا، أليلي أدماسو، أوراق اعتماد بلاده عضواً مراقباً في الإتحاد الذي يضمّ في عضويّته 55 دولة. هكذا، تعود تل أبيب إلى التمتّع بهذه الصفة بعد نزعها عنها في العام 2002، إثر حلّ «منظّمة الوحدة الأفريقية» وقيام الإتحاد الأفريقي، بمبادرة من الرئيس الليبي الراحل، معمر القذافي. تحوُّلٌ عدّه وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، مناسبة «للاحتفال بالعلاقات الإسرائيلية - الأفريقية»، لافتاً إلى أن «هذا الإنجاز الدبلوماسي إنما هو نتيجة لجهود وزارة الخارجية والقسم الأفريقي والسفارات الإسرائيلية في القارّة»، معتبراً أنه «يصحّح الانحراف الذي شاب تلك العلاقات قرابة عقدين، وسيساعدنا في تقوية أنشطتنا في القارّة».

دلالات وتداعيات
استطاعت إسرائيل، في السنوات الأخيرة، تحقيق اختراقات تدريجية في أفريقيا، على رغم أن القضية الفلسطينية ظلّت حتى وقت قريب تُمثّل عائقاً أساسياً أمام نفوذها، لسببَين: أوّلهما، أن ثلاثاً من أهمّ الدول والاقتصادات الأفريقية، وهي الجزائر ونيجيريا وجنوب أفريقيا، عارضت بحزم أيّ مواقف داعمة لإسرائيل في المحافل الدولية، بما فيها الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي. وثانيهما، تسبُّب هذه المعارضة نفسها بإحجام رؤساء الدول المعروفين بصلاتهم الوطيدة مع القادة الإسرائيليين عن إبداء دعم علني للكيان العبري. على أن حصول إسرائيل على وضع مراقب في الإتحاد الأفريقي جاء إثر نشاط مكثّف لقسم أفريقيا في وزارة الخارجية الإسرائيلية برئاسة أليزا بن نون، منذ كانون الأوّل 2020، في ما مثّل محطّة انتقالية لإرساء الدخول الإسرائيلي إلى أفريقيا في مجالات متعدّدة. وتَمثّل النشاط المشار إليه في تكثيف وزيرَي الخارجية، السابق غابي أشكنازي، والحالي لابيد، اتصالاتهما مع نظرائهما الأفارقة بناءً على توصيات من نون، التي سرّعت بدورها جهودها، بحضورها في مقرّ الإتحاد الأفريقي في نيسان الماضي، واجتماعها مع قرابة 30 سفيراً أفريقياً، لتعقب ذلك زيارة نائبها إلى أديس أبابا في أيار لتعميق التفاهمات، وصولاً إلى مبادرة أمانة الإتحاد في أديس أبابا إلى الإتصال بسفير إسرائيل في إثيوبيا (22 تموز)، ودعوته إلى تقديم أوراق اعتماد بلاده. ويتحدّث مراقبون عن دور حاسم في هذا الملفّ لرئيس الإتحاد الأفريقي الحالي فيليكس تشيسيكيدي، ورئيس مفوّضية الإتحاد الأفريقي موسى فقيه، في تتويج لعمل متلاحق قادته إثيوبيا وجنوب السودان، لصالح إسرائيل، منذ نحو عقد كامل.

إرث نتنياهو الأفريقي
لا يمكن فصل الخرق الإسرائيلي الأخير عن إرث فترة رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتانياهو، الذي وضع من بين أولوياته - لاسيما في النصف الثاني من رئاسته التي استمرّت 12 عاماً - نسج علاقات مع الدول الأفريقية بما فيها الدول «ذات الأغلبية المسلمة». وغادر نتنياهو منصبه فيما كانت لإسرائيل علاقات مع 46 دولة أفريقية، أحدثها غينيا (2016)، وتشاد (2019)، وفي تشرين الأول 2020 السودان، الذي أُبرم اتفاق لتطبيع العلاقات معه، بعدما مثّل إحدى أبرز دول «الرفض» العربية - الأفريقية، بينما تضمّ قائمة الدول التي لا تملك أيّ علاقات دبلوماسية مع إسرائيل حتى الآن كلّاً من النيجر ومالي وجيبوتي والصومال وجزر القمر. وركّز نتانياهو على إيجاد أسواق جديدة لإسرائيل في الزراعة والتكنولوجيا المتقدّمة والمعرفة الأمنية، وهدفت سياساته الحثيثة إلى تحسين السجلّ التصويتي للدول الأفريقية في الشؤون المتعلّقة بإسرائيل في المحافل الدولية، مِن مِثل مجلس الأمن و«اليونسكو». كذلك، مثّلت زيارة نتنياهو إلى دول شرق أفريقيا في تموز 2016 (شملت أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا) الأولى من نوعها لرئيس وزراء إسرائيلي طوال عقود، لتتبعها في كانون الأوّل من العام نفسه استضافة القدس سبعة وزراء زراعة وعدداً من كبار المسؤولين من دول غرب أفريقيا، في مؤتمر زراعي برعاية «الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» (إيكواس، التي تضمّ 15 دولة يتجاوز عدد سكّانها 320 مليون نسمة، أبرزها كبرى الدول الأفريقية نيجيريا)، و«الماشاف» (وكالة إسرائيل للتعاون الدولي في مجال التنمية)، ثمّ حضور نتنياهو في حزيران 2017 المؤتمر السنوي لـ«إيكواس»، وإعلانه قبل جولته «الغرب أفريقية» أن «إسرائيل تعود إلى أفريقيا بطريقة عظيمة».
عارضت الجزائر ونيجيريا وجنوب أفريقيا بحزم أيّ مواقف داعمة لإسرائيل في المحافل الدولية


والظاهر أن سياسات نتنياهو الأفريقية عائدة، في جزء منها، إلى تصوّراته وتجربته الشخصية (لاسيما مباهاته على نحو دائم بفقده أخاه في عملية عنتيبي في أوغندا 1976). وفي هذا السياق يلفت بنيامين أوجي، في دراسة مهمّة نشرها «مركز أفريقيا جنوب الصحراء»، التابع لـ«المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية»، في نهاية 2020، النظر إلى خلاصات مهمّة بخصوص المعنيّين بسياسة إسرائيل الأفريقية في عهد نتنياهو، وأبرزهم مكتب رئيس الوزراء الذي تمتّع بصلاحيات كاملة في الحركة، ووزارة الشؤون الخارجية التي اتّسمت - حتى نهاية العام الماضي على الأقلّ - بأداء ضعيف للغاية في هذا الملف؛ و«الماشاف» الذي عانى قصوراً في تمويل أنشطته التنموية في أفريقيا (وسط مؤشّرات إلى حصوله في العام الجاري على دعم من الإمارات في إطار «التعاون» في أفريقيا)؛ و«مؤسّسات الدولة» التي لم ترتقِ في أدائها إلى تقديم مساعدات ضرورية للشركات الإسرائيلية في أفريقيا. لكن الشهور الأخيرة شهدت تكثيفاً لسياسات الخارجية الإسرائيلية نحو تحقيق هدف نيل وضع المراقب في الإتحاد الأفريقي، الأمر الذي نجحت فيه، وفي توقيت ذي دلالة، عشية ذكرى «ثورة يوليو».

الأمن أولاً؟
جاءت الخطوة الأخيرة وسط تداعيات دولية لـ«فضيحة بيغاسوس» للتجسّس السيبراني، والتي حضرت إسرائيل، عبر شركة «تابعة للدولة»، في قلبها، بما يُعزّز تصوّرات خطورة المكوّن الأمني في سياسات إسرائيل الأفريقية، لاسيما مع تورّط عدد من حكومات القارّة وثيقة الصلة بتل أبيب (أبرزها بحسب تقارير غربية رواندا والمغرب) في التجسّس على رؤساء دول وحكومات أفريقية. ويتّسق هذا التحليل مع ما ورد في تقييم استراتيجي مهمّ صادر عن «معهد دراسات الأمن القومي» في جامعة تل أبيب (أبريل 2021)، لناحية تحديد «العنصر الأمني» كواحد من أهمّ مكوّنات «دفء العلاقات الإسرائيلية - الأفريقية» طوال العقد الفائت، مع ملاحظة وجود «توتّر» بين العنصر الدبلوماسي والعنصر الأمني في سياسة إسرائيل الخارجية منذ نشأتها في العام 1948، حيث اعتُبر العنصر الأمني مسألة وجودية، بينما عُدّت الدبلوماسية مسألة إضافية أو حتى هامشية أو «غير وجودية»، الأمر الذي انعكس - بحسب التقييم - على سياسات إسرائيل في أفريقيا، ونموّ هيمنة الجانب الأمني عليها طوال العقد الفائت، وحقيقة حلول الكيان العبري في المرتبة العاشرة عالمياً كأكبر مُصدّر للسلاح، وبنصيب 3.1% من إجمالي الصادرات الأمنية في العالم.
وقد تمدّدت مقاربة إسرائيل الأمنية في أرجاء متفرّقة من القارّة، لدعم نُظم حكم أو تهديد أخرى، بينما دعم تنامي «التهديد الإسلاموي» في أفريقيا علاقات إسرائيل الأمنية بدول مِن مِثل غانا وساحل العاج ورواندا وكينيا، وتزويدها الأخيرة بتكنولوجيات وقدرات استخباراتية متقدّمة منذ أكثر من عقد. كما مثّل الدعم الأمني لأوغندا أهمّ ملمح لـ«التعاون» بين الجانبين في السنوات الأخيرة، لاسيما بعد زيارة نتنياهو إلى عنتيبي ومقابلته الرئيس الأوغندي يوري موسيفني، ورئيس «مجلس السيادة» السوداني عبد الفتاح البرهان (شباط 2020). وعلى النحو نفسه، تقدّمت المقاربة الأمنية على ما عداها في علاقات إسرائيل مع إريتريا، والتي أقيمت بشكل كامل في العام 1993 عقب استقلال الأخيرة مباشرة، وحظيت بدعم مستمرّ منذ ذلك الوقت، على رغم مساندة إسرائيل التاريخية لإثيوبيا في قمع حركة التحرير الإريترية، سواءً في عهد الإمبراطور هيلاسيلاسي أم في العهد الثوري بعد 1974. وتتعزّز المقاربة نفسها في ضوء إطلال إريتريا على ساحل البحر الأحمر، وقربها من الصومال، وقدرتها - بحسب التحليلات الإسرائيلية - على أن تكون عازلاً لإسرائيل عن «التهديد» المتوقّع من الصومال، الذي «يتعاون مع حماس وإيران منذ مطلع العقد الفائت على الأقلّ». وتجسّد هذا التعاون في تشغيل إسرائيل حتى اللحظة موانئ شحن بحرية ومحطة تجسّس كجزء من جهودها «لوقف تهريب إيران للأسلحة لحماس وحزب الله».
وفي دلالة على عمق هذه المقاربة، يرجع «التحالف الأمني» بين إسرائيل وكينيا، أحد أهمّ حلفاء الولايات المتحدة في القارة، إلى العام 1976، منذ حادث عنتيبي في أوغندا. وقوّى الجانبان، منذ هجوم مركز تسوّق «ويستجيت» (2013) تعاونهما في مواجهة «الحركات الإسلاموية»، الأمر الذي دعمه صراحة الرئيس الكيني، أوهورو كينياتا، بتصريح شهير (2016) عن قناعته بحاجة بلاده والقارة الأفريقية إلى «الإصطفاف مع إسرائيل على أسس أكثر إيجابية، وهكذا فإننا نفهم أن شراكتنا يمكن أن تساعد في جعل هذا العالم أكثر أماناً». وقبل نهاية تموز الجاري، وقّع المغرب وإسرائيل (بحضور وزير الدفاع المغربي في الرباط) إتفاقاً للتعاون في قطاع الأمن السيبراني، بعد إتفاقهما على استئناف العلاقات الدبلوماسية في كانون الأول 2020.
وبشكل عام، فإنه يُتوقّع أن يكون لإسرائيل حضور معمّق في الدعم العسكري للدول الأفريقية، يفوق كثيراً المستويات المعلَنة رسمياً، مع ملاحظة أن المعلومات عن مساعدات إسرائيل الأمنية لأفريقيا في مجال الأسلحة الثقيلة كالطائرات والسفن البحرية والدبابات متاحة بشكل أكبر، وتَظهر بانتظام في التقارير التي ترسلها إسرائيل سنوياً إلى «سجلّ الأمم المتحدة للأسلحة التقليدية|» (UNROCA)، لكن هذه التقارير لا تشمل معلومات حول الأسلحة الخفيفة. والأمر نفسه ينطبق على المعلومات التي توفّرها «إدارة التعاون الدفاعي الدولي» في وزارة الدفاع الإسرائيلية، حيث لا تعرض لبيانات رسمية عن حجم صادرات إسرائيل الأمنية لأفريقيا، والتي قُدّر في العام 2018 أنها توازي 2% من جميع صفقات إسرائيل الأمنية في العالم، وأنها تضاعفت في العام 2019 لتصل إلى 4%، لكن من دون توضيح الدول المتلقّية أو أنواع الأسلحة أو المبيعات التي توسّطت فيها «أطراف ثالثة». ويُقدّر متوسّط عائدات الصادرات العسكرية الإسرائيلية، سنوياً، بحوالي 7.5 بليون دولار، منها 200 - 400 مليون دولار من أفريقيا، مع زيادة تدريجية في هذه الحصّة منذ العام 2019.

غادر نتنياهو منصبه فيما كانت لإسرائيل علاقات مع 46 دولة أفريقية (من الويب)

نقاط الارتكاز الإسرائيلية
تنظر إسرائيل حالياً، كما يوجز أوجي، إلى أفريقيا إمّا على أنها مجال تقليدي للنفوذ (في دول مِن مِثل إريتريا وإثيوبيا والكاميرون وغانا وساحل العاج وأوغندا، وخاصة رواندا في العقدين الأخيرين) بحاجة إلى تقويته؛ أو مجال جديد للنفوذ يجب تطويره (مثل دول الساحل الأفريقي ووسط أفريقيا... إلخ). وإلى جانب ذلك، حقّقت إسرائيل اختراقاً مهمّاً في دولة أفريقية صاعدة هي جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث أعلن رئيسها فيليكس تشيسيكيدي، الذي تؤكد تقارير مختلفة دوره الحاسم في حسم قرار قبول عضوية إسرائيل في الإتحاد الأفريقي، خلال وجوده في وانشطن أول آذار 2020 وأمام «الأيباك»، أن بلاده ستفتتح سفارة في تل أبيب ومكتباً تجارياً في القدس «في أقرب وقت ممكن». وعلى رغم أن كينشاسا لا تملك حتى الآن سوى قائم بالأعمال في تل أبيب، وأن خطوة تشيسيكيدي ربّما جاءت في المقام الأول لإرضاء إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، ونسيبه جاريد كوشنر، فإن الكونغو كانت أوّل دولة أفريقية تُعلن رسمياً أن جزءاً من تمثيلها الدبلوماسي (تحديداً التمثيل التجاري) في إسرائيل سيكون في القدس. كما أعلن الرئيس المالاوي، لازاروس تشاكويرا، في أيلول 2020، عقب انتخابه مباشرة، عزم بلاده افتتاح سفارة لها مستقبلاً في القدس.
لكن تظلّ رواندا النموذج الأبرز لنقاط الارتكاز الإسرائيلية في أفريقيا في السنوات الأخيرة. فالعلاقات بين نتنياهو والرئيس الرواندي، بول كاجامي (الذي ترأّس الإتحاد الأفريقي وكان له دور مهمّ في جهود «إصلاح» المؤسّساتي ومن المرجّح أن يكون ضالعاً في تقديم خبرته الكبيرة لعملية قبول إسرائيل في عضوية الإتحاد) اتّسمت بـ«التميّز» البالغ، حيث احتفظت رواندا منذ العام 1996 بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وكانت تدار بشكل رسمي من قِبَل إسرائيليين في أديس أبابا، حتى افتتحت إسرائيل سفارتها في كيجالي في العام 2019، بالتزامن مع تدشين خطّ ملاحي جوّي مباشر بين تل أبيب وكيجالي. والجدير ذكره أن الرئيس الرواندي عمل سابقاً سفيراً في السودان وملحقاً عسكرياً في بريتوريا وسكرتيراً دائماً لوزارة الدفاع، ولذا لا يُعدّ مفاجئاً أن تكون الصلات بين الجانبين قائمة على التعاون في القطاعات الأمنية والدفاعية والاستخباراتية، الأمر الذي تكشّف قبل نهاية تموز الجاري بتورّط رواندا البارز في مشروع «بيغاسوس» للتجسّس على عدد من رؤساء الدول، أبرزهم الجنوب أفريقي سيريل رامافوسا. وعزّزت هذا التقارب الإسرائيلي - الرواندي رؤيتهما «لتجربتهما المشتركة في المقارنة بين الهولوكوست وإبادة التوتسي»، وتعاظم أرقام الصادرات الأمنية الإسرائيلية إلى رواندا منذ بدئها في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وكذلك محاولات تل أبيب المستمرّة للوصول إلى تفاهم حول قبول رواندا لاستقبال طالبي اللجوء من إسرائيل، لاسيما منذ عامَي 2017 و2018.

تغيّرات الاستجابة الأفريقية
يمثّل السلوك التصويتي الأفريقي في المحافل الدولية تجاه المسائل ذات الصلة بإسرائيل، هاجساً ملحّاً لدى الأخيرة، مرتبطاً بالقضية الفلسطينية بشكل أساسي. فعلى سبيل المثال، عندما قدّمت الولايات المتحدة (2018) مشروع قرار للأمم المتحدة لإدانة هجمات المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة على الأراضي المحتلّة، لم تُصوّت لصالح القرار سوى سبع دول أفريقية (هي رواندا وجنوب السودان وإريتريا ومالاوي وليبيريا وليسوتو وكيب فيرد)، فيما صوّتت ضدّه 28 دولة أفريقية، وامتنعت 10 عن التصويت، وغاب مثلها عنه. وبحسب إحصاءات وزارة الخارجية الأمريكية (آخر تحديث لها في 2018)، فإن الدول الأفريقية الأكثر تصويتاً لصالح إسرائيل في الأمم المتحدة تأتي على النحو التالي: جنوب السودان (50% بنسبة توافق الولايات المتحدة)، تليها الكاميرون (48%)، ورواندا (47%)، وليبيريا (45%)، توغو (45%)، وساحل العاج (38%). وكانت الغالبية العظمى من الدول الأفريقية تُصوّت لصالح إسرائيل في حدود نسبة 10% فقط.
تمدّدت مقاربة إسرائيل الأمنية في أرجاء متفرّقة من القارّة، لدعم نُظم حكم أو تهديد أخرى


وفي التحليل النهائي، القائم على قراءات شبه إحصائية، فإن هناك نُظماً أفريقية تريد مساعدات أمنية من إسرائيل كوسيلة لتأمين بقائها نفسه، فيما ترى دول أخرى في علاقات جيدة مع إسرائيل طريقة مثلى لتعزيز علاقاتها هي مع الولايات المتحدة، كما يتّضح في أمثلة جنوب السودان (أكثر دولة أفريقية داعمة لإسرائيل في التصويت في الأمم المتحدة منذ استقلالها في العام 2011). وهكذا، فإن قبول عضوية إسرائيل في الإتحاد الأفريقي يؤشّر إلى إمكانية بروز تغيّرات في هذا السلوك التصويتي مستقبلاً، مع توقّع تعزيز إسرائيل جهودها لتحسين علاقاتها مع المزيد من الدول الأفريقية.

تهديد «الأمن القومي العربي»: ملفّ سدّ النهضة
استقرّ في أبجديات «الأمن القومي العربي» أن أيّ تقارب إسرائيلي - أفريقي يعني بالضرورة تهديداً لهذا الأمن على أكثر من مستوى وفي أكثر من ملفّ. وعلى سبيل المثال، فقد وعد الأب المؤسّس للكيان العبري، ديفيد بن غوريون، منذ افتتاح أوّل قنصلية إسرائيلية في إثيوبيا في العام 1956، وبدء تدريب الخبراء الإسرائيليين لجيش الإمبراطور هيلاسيلاسي في العام 1957 وإعادة تنظيم أجهزته السرّية، بدعم إثيوبيا في نزاعها مع مصر بخصوص التحكّم في مياه النيل. وظلّت إسرائيل داعماً يعوَّل عليه لإثيوبيا، حتى بعد تراجع الولايات المتحدة عن دعمها في فترات متقطّعة. ولا يمكن تجاهل صلة التطوّرات الحالية بتصريحات مسؤول مصري سابق - قبل الإعلان عن الخطوة بأيام - عن أن حلّ ملفّ سدّ النهضة قد يكون في الوساطة الإسرائيلية، في تصريحات فُسّرت وقتها على أنها «بالون اختبار» تقليدي للرأي العام المصري. لكن، بالنظر إلى التحالف الإسرائيلي - الإماراتي المُعلَن في أفريقيا، ووثاقة صلة هذين الطرفين بالنظام الإثيوبي ودعمهما له مالياً وعسكرياً وسياسياً منذ وصول آبي أحمد إلى الحكم في نيسان 2018، وطبيعة أدوارهما التكتيكية بتغليب رؤيتهما حول «الفوز للجميع» في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وجهد دمج مصر في هذه الرؤية كأحد العناصر المكوِّنة مع تجاهل حجمها وثقلها وطبيعة مصالحها وتخوّفاتها ودورها الحالي والمستقبلي في القارة الأفريقية، فإنه يمكن وضع «النجاح» الإسرائيلي في سياق تمكّن تل أبيب من تحقيق اختراق خطير لِما تبقّى من بنية «الأمن القومي العربي»، في محصّلة يمكن الحكم عليها بناءً على مخرجات هذه الأزمة، وقدرة القاهرة على التعامل مع هذا «الحصار الدبلوماسي».

في البدء كانت فلسطين
تمتّعت فلسطين بدعم أفريقي غير مسبوق على صعيد الدبلوماسية الدولية منذ سبعينيات القرن الماضي. وفلسطين إحدى ثلاث دول فقط تتمتّع بصفة المراقب (مع تركيا وإسرائيل حالياً) في الإتحاد، مع ملاحظة رفض الأخير منح هذه الصفة للعديد من دول البحر الكاريبي، وآخرهم هاييتي في العام 2016 (على رغم الصلات الإثنية والثقافية الوطيدة لأفريقيا مع تلك الدول الجزرية الصغيرة). ومَثّل قرار الأمم المتحدة بمساواة الصهيونية بالعنصرية (القرار 3379 للعام 1975) ضربة مؤلمة لإسرائيل ونموذجها التنموي في العالم الثالث وأفريقيا. وقد حظي القرار، آنذاك، بتأييد 29 دولة أفريقية من إجمالي 72 دولة مُصوّتة بـ«نعم»، فيما رفضته خمس دول أفريقية كانت ضئيلة الحجم سياسياً في ذلك الوقت، وامتنعت 11 دولة أفريقية عن التصويت أبرزها إثيوبيا. ومثلما جسّدت فلسطين قضية فاصلة في العلاقات الإسرائيلية - الأفريقية بأبعاد ومستويات معقّدة للغاية في العقود السابقة، فإنها حضرت رسمياً في مناقشات أوّلية أجراها موسى فقيه خلال تلقّيه أوراق اعتماد أليلي أدماسو، سفير إسرائيل في إثيوبيا وتشاد وبوروندي، في الإتحاد الأفريقي (22 تموز الجاري)، حيث أشار الأول إلى أن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي كان سبباً لقلق كبير طوال أكثر من سبعين عاماً، مع انخراط العديد من اللاعبين الإقليميين والدوليين في مساعي البحث عن «سلام»، معتبراً أن «الحلّ الدائم للنزاع يتطلّب ضمان الوجود المشترك بينهما، والسماح لشعبيهما بالعيش في حالة سلام واستقرار». في المقابل، تجاهَل السفير الإسرائيلي التعليق على القضية الفلسطينية، وتحدّث عن بداية مرحلة جديدة في العلاقات مع أفريقيا، تمهيداً لـ«بناء التعاون المتعدّد الأطراف، بما يعزّز المبادرات القارّية وفق أجندة أفريقيا 2063». يبدو الفارق واضحاً إذاً، إذ ستصبح فلسطين، على ما يظهر، «عبئاً» على خيارات الإتحاد الأفريقي، ومدعاة لتبريرات رسمية لا تتجاوز حدود الاجتماعات المغلقة.

خلاصة
تتطلّع إسرائيل، من وراء عضويّتها في الإتحاد الأفريقي، إلى فتح الآفاق أمام إقامة علاقات مع بقية الدول الأفريقية غير المُطبّعة معها، وترقية صورتها كطرف قادر على بناء شراكات مع القارّة ككلّ، وتوظيف مقدّراته كـ«وسيط» لتسوية الصراعات، بعد تجربة لم يُعلَن عنها رسمياً في تسوية الصراع في إقليم القرن الأفريقي بدعوة من «الهيئة الحكومية للتنمية» (إيجاد)، لم تعارضها دول أفريقية كبرى. وبينما يمكن وصف الخطوة الأخيرة بـ«الإنجاز» الإسرائيلي الدبلوماسي في القارّة السمراء بعد نحو عقدين من المحاولات المتكرّرة، فإن تداعيات هذه الخطوة ومساراتها وقدرة إسرائيل على «الوساطة» في ملفّات حسّاسة، ستظلّ ضوابط كاشفة لحجم هذا «الإنجاز» ومدى استمراريته وتجاوزه الدوائر الدبلوماسية، في ظلّ غياب متوقّع للقضية الفلسطينية عن الأجندة الأفريقية - الإسرائيلية.