نُصِحَت تركيا بتحسين العلاقات مع إسرائيل كمدخل لنيل رضى الإدارة الأميركية الجديدة
قد يكون في كلام السفير التركي إشارات دالّة على تغييرٍ ما في سياسة أنقرة تجاه تل أبيب، ليس في اتجاه الرضوخ الكامل لإرادتها وشروطها، بل عبر إبقاء الأمور على حالها، وتحويلها كي تصبّ في المصلحة الإسرائيلية. وهنا يكمن الشيء ونقيضه في ما يتّصل بالخطاب السياسي التركي المعلَن تجاه إسرائيل، في مقابل الخطاب الواقعي، غير المحكوم بضرورات العلاقات العامة. ويعني العرض التركي استغلال مَن بقي من قيادات تابعة لحركة «حماس» على الأراضي التركية، لتقوم تركيا من خلال هؤلاء، بدور الوسيط بين إسرائيل والحركة، إن كان في ملف الجنود الأسرى في غزة، أو التخفيف من حدّة التصعيد واحتمال انفلاشه في مواجهات لا تريدها تل أبيب.
لكن، هل تستجيب تل أبيب للعرض التركي؟ قد يكون الجواب «لا» كبيرة، وهو ما تسرّبت مقدِّماته عبر الإعلام العبري نقلاً عن جهات مسؤولة في المؤسسة الأمنية في تل أبيب: «لا تطبيع علاقات مع تركيا، دون طرد الذراع العسكرية لحماس من إسطنبول». الشرط الإسرائيلي كما يرد، لا يحمِل أيّ معنى سوى أنه يرفض العرض التركي، خاصّة أن مَن تبقّى من «الذراع العسكرية» لـ«حماس» على الأراضي التركية، عددٌ محدود جداً وبمسؤوليات غير رفيعة، يُمنع عنه أيّ عمل ضدّ إسرائيل، وسط تتبّع وإحاطة استخبارية على مدار الساعة من جانب الاستخبارات التركية. في الواقع، ونتيجة الجهد الأميركي والضوابط الموضوعة لتركيا في كل ما يتعلّق بعلاقاتها مع الفصائل الفلسطينية، جرى نزع أيّ إمكانية فعلية للإضرار بإسرائيل.
في الوقت نفسه، ومن ناحية إسرائيل، فإن الخصومة السياسية المعلَنة تجاه تركيا لا تضرّ بمستويات العلاقات بين الجانبين، ليس في ما يتعلّق بمنع الأنشطة العسكرية لحركة «حماس» على الأراضي التركية أو انطلاقاً منها فقط، بل يمكن القول إن مرحلة الخصومة السياسية شهدت تحسُّناً كبيراً جداً في العلاقات التجارية والسياحية والنقل والتعاون في المؤسسات الدولية، والامتناع عن ترجمة الخصومة في المحافل الدولية بما يؤذي إسرائيل فعلاً، وكل ذلك من دون قطع العلاقات الدبلوماسية وإن تقلَّص مستواها إلى حدٍّ كبير. وفقاً لهذه المعطيات، فإن الخصومة بين تركيا وإسرائيل ليست فعلياً إلّا على مستوى العلاقات العامة، حيث تصدّر أنقرة نفسها على أنها معادية للكيان العبري، بما يحسّن صورتها ومكانتها، ويسهّل ربّما تطلعاتها القيادية في الإقليم.
لكن هل تستفيد تركيا من هذا النوع من الخصومة من دون أن تنسحب الاستفادة أيضاً على إسرائيل؟ سؤالٌ يستأهل البحث والمتابعة، وإن كان المرجَّح أن لا ضرر يلحق بإسرائيل جرّاء تردّي علاقاتها - في الشكل - مع تركيا، خصوصاً في ظلّ التحالف المستجدّ بينها وبين جهات تخاصم أنقرة. والنظام التركي ليس كالنظام الإماراتي، فالعلاقة مع الإمارات هي علاقة تحقِّق المصالح الإسرائيلية بلا أثمان، في حين أن إعادة تطبيع العلاقات مع تركيا، في ظلّ اللاضرر من تردّيها، بل في الواقع المصلحة في هذا التردّي، تتطلّب من تل أبيب التريُّث. التحسُّن في العلاقات - كما تريده أنقرة - يتعلّق بتحسُّن شكلي لأزمة هي في ذاتها شكلية، ما يعني أنه إن قبلت إسرائيل العرض التركي، فستتلقّى فائدة شكلية، وإن رفضت، فلا يغيّر موقفها في الواقع شيئاً. أما عرضُ أن تكون تركيا وسيطاً، فهو ما لا تريده تل أبيب، ويكفيها وجود وسطاء غبّ الطلب، من جهات مستعدّة لتكون أكثر طواعية، علماً أن قبول العرض التركي ينطوي على مخاطرة بأن تسمح إسرائيل، بإرادتها، بإدخال لاعب جديد لا لزوم له على الساحة الفلسطينية، سيكون بطبيعة الحال حريصاً على التمايز عن الوسطاء التقليديين الذين خيّبتهم إسرائيل، والأهمّ أنها تأمَن جانبهم، كونهم لا يمكنهم، وفقاً لمصلحة أنظمتهم، الانحياز إلى الفلسطينيين.