تقدُّم جديد أحرزته حركة «طالبان» على المستوى الميداني، بإعلانها، يوم أمس، السيطرة على معبرٍ حدودي رئيس مع باكستان، سيمنحها سهولة حركةٍ من إقليم بلوشستان - حيث تتمركز قياداتها - وإليه، فضلاً عن أنه سيدرّ عليها مزيداً من الأرباح الجمركية التي تحتاج إليها لتمويل حربها المستمرّة. تطوّرٌ من شأنه أن يزيد مِن حدّة الانتقادات الداخلية التي تتعرّض لها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، في ظلّ رفضٍ جمهوري للانسحاب «المتسرّع»، كما من شأنه أن يدفع بقية دول الإقليم إلى التحرّك من أجل حجز موطئ قدم لها في أفغانستان ما بعد الاحتلال الأميركي
في الوقت الذي يتسارع فيه الانسحاب الأميركي من أفغانستان، يحثّ الأطراف الإقليميون والدوليون الخطى، في محاولة لاحتواء الوضع، أو حتى تعزيز دورٍ لهم في المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظلّ مواصلة حركة «طالبان» بسطَ سيطرتها على مزيد من الأراضي والمساحات، مستغلّة التخبّط الذي تعاني منه القوات الأفغانية، وغياب الدعم الجوي «الأطلسي» لها. وأعلنت الحركة، التي أطلقت منذ شهرين هجوماً على عدّة جبهات، أمس، سيطرتها على معبر «سبين بولداك» الحدودي مع باكستان في ولاية قندهار الجنوبية، مسجّلة تقدّماً جديداً. وإذ أفادت وزارة الداخلية الأفغانية بأن القوات الأفغانية تمكّنت من صدّ هجوم «طالبان»، فقد أكّد مصدر أمني باكستاني أنّ راية الحركة البيضاء رُفعت في البلدة الحدودية. وفي حال تأكّدت السيطرة على «سبين بولداك»، سيكون هذا التقدُّم الأحدث الذي تحرزه «طالبان»، بعد سيطرتها، في الأسابيع الأخيرة، على عدد من المعابر الحدودية، وسط سعي مقاتليها إلى قطع الإيرادات الجمركية التي تحتاج إليها حكومة كابول، حتى يتمكّنوا بالتالي من جنيها لأنفسهم.
ويُعدّ المعبر الحدودي مع باكستان أحدَ أكثر المعابر أهمية من الناحية الاستراتيجية بالنسبة إلى «طالبان»، إذ يمكن الوصول عبره مباشرة إلى إقليم بلوشستان الباكستاني، حيث تتمركز قيادة الحركة منذ عقود، وينتشر عدد غير معروف من المقاتلين الاحتياطيين الذين يُرسلون إلى أفغانستان للقتال. ويربط طريق سريع رئيس الحدود بالعاصمة التجارية الباكستانية كراتشي ومينائها الواسع على بحر العرب، والذي يُعدّ ركيزة أساسية لتجارة الهيرويين الأفغاني التي شكّلت مصدراً أساسياً لتمويل حرب «طالبان» على مرّ السنين، كونها تدرّ أرباحاً بمليارات الدولارات.
شجب زعيم الجمهوريين في الكونغرس «الاستعجال المتهوّر» للانسحاب


في غضون ذلك، دخلت موسكو على خطّ التحرّكات السياسية، في محاولة لاحتواء أيّ تداعيات للانسحاب الأميركي من أفغانستان على الدول المحيطة، ولا سيما أن واشنطن كانت قد درست خيار نقل قواتها إلى دول الجوار الأفغاني. وحذّرت روسيا الولايات المتحدة من مغبّة الإقدام على إعادة نشر قواتها في المنطقة، إذ اعتبر نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أن مثل هذه الخطوات غير مقبولة بالنسبة إلى موسكو، مشيراً إلى أن بلاده تبحث مع الولايات المتحدة - على مختلف المستويات - مسألة سحب القوات الأميركية من أفغانستان وتداعياتها.
الانسحاب الأميركي من أفغانستان لا يزال محطّ انتقاد واسع في الداخل، خصوصاً من قِبَل الجمهوريين، الذين شجب زعيمهم في الكونغرس، ميتش ماكونيل، «الاستعجال المتهوّر»، معتبراً أن الخطوة الأميركية تحوّلت إلى مصدر إحراج دولي. وأشار ماكونيل إلى أن الرئيس جو بايدن مستمرّ في رفض تحذيرات من سقوط الحكومة بيَد «طالبان»، مضيفاً أن «الكلام الآن ليس عمّا إذا كانت القاعدة ستهدّدنا انطلاقاً من أفغانستان، بل عن متى (ستهددنا)». وقال: «ننتظر دخول روسيا لملء الفراغ الذي خلّفه انسحابنا من أفغانستان». المخاوف من سيطرة «طالبان» على هذا البلد تظهر على لسان مختلف المسؤولين الغربيين، بشكل مباشر أو غير مباشر. وفي هذا الإطار، جاءت دعوة وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إلى إنشاء مجموعة اتصال دولية لمرحلة ما بعد انسحاب القوات الأجنبية. وفي الاجتماع الشهري لوزراء خارجية الاتحاد في بروكسل، قال بوريل إن ما يجري حالياً هو نتيجة للانسحاب الأميركي و»الأطلسي». كذلك، أعلن وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، أن بلاده ستتعامل مع حركة «طالبان»، إذا دخلت إلى الحكومة واحترمت حقوق الإنسان. وقال، في مقابلة نشرتها صحيفة «تلغراف»، إنه «مهما كانت الحكومة القائمة، ستتعاون الحكومة البريطانية معها بشرط أن تحترم بعض المعايير الدولية... لكن كما يحصل بالنسبة إلى الحكومات الأخرى حول العالم، إذا تصرّفت بشكل يتعارض بشكل خطير مع حقوق الإنسان، فسنعيد النظر في علاقتنا». الوزير البريطاني أقرّ، من ناحية أخرى، بأن آفاق التعاون مع «طالبان» يمكن أن تثير جدلاً، ولا سيما أن 457 عسكرياً بريطانياً قُتلوا في أفغانستان، مضيفاً أن «كلّ عمليات السلام تتطلّب التوافق مع العدو».
في هذه الأثناء، بحث وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قريشي، مع نظيره الأفغاني، محمد حنيف أتمار، عملية السلام في أفغانستان، وذلك على هامش مشاركتهما في اجتماع مجلس وزراء خارجية «منظمة شانغهاي للتعاون» في العاصمة الطاجيكية دوشنبه. وأفاد بيان صادر عن وزارة الخارجية الباكستانية بأن قريشي أكّد دعم بلاده لدولة أفغانستان موحّدة يسودها السلام، داعياً الزعماء الأفغان إلى «استغلال هذه الفرصة التاريخية للتوصل إلى حلّ سياسي في أقرب وقت»، بالتزامن مع انسحاب الجنود الأجانب من البلاد. وجاء ذلك في وقت وعد فيه الرئيس الأفغاني السابق، حامد كرزاي، باستئناف محادثات جادّة للسلام، تزامناً مع توجّهه إلى الدوحة. وقال رئيس «لجنة المصالحة»، عبد الله عبد الله، الذي يرافق كرزاي إلى قطر، إن اللقاء المرتقب في الدوحة مع «طالبان» فرصة لمحادثات على مستوى مختلف، مضيفاً أن الحركة مستعدّة للقاء الوفد الذي يتوجّه من كابول إلى الدوحة.