بعد لقاء رئيس الولايات المتحدة، جو بايدن، نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في العاصمة السويسرية جنيف، أمس، بدا أنّ هناك إجماعاً واضحاً، في الصحف الغربية، على أنّ هذه الخطوة، وإن لم تسفر عن تغيّرات كبيرة مباشرة، إلا أنها طوت صفحة العلاقات الروسية ــــ الأميركية التي كانت في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. كما بدأت تمهّد لبعض «الانفراجات»، بعدما بلغت العلاقات بين الطرفين أدنى مستوياتها منذ عقود، فيما اعتبرت صحف أخرى أنّ «احتواء الصين» الذي تسعى إليه الولايات المتحدة، كان أحد الدوافع الرئيسية لعقد هذه القمة.
كلام بوتين أقنع ترامب... لا بايدن

ذكّرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية بالقمة التي جمعت ترامب بالرئيس الروسي بوتين، في هلسنكي عام 2018، حيث أدلى الرئيس الأميركي السابق بتصريح «صادم»، قال فيه إنه «يصدّق» أنّ روسيا لم تتدخل بالانتخابات الأميركية عام 2016، رغم تأكيد الاستخبارات الأميركية عكس ذلك. في المقابل، لم يظهر بايدن أي نية للاقتناع بكلام الرئيس الروسي، إن حول التدخل في الانتخابات أو هجمات القرصنة أو في ما يخصّ المعارض الروسي، أليكسي نافالني. فشدّد على ضرورة إيجاد «قواعد أساسية يمكن لكلي الطرفين الالتزام بها»، لافتاً إلى أنّ الولايات المتحدة ستواصل «إثارة قضايا حقوق الإنسان الأساسية»، بحسب الصحيفة. ويؤشر هذا إلى أنّ علاقة ترامب «الغريبة» مع روسيا انتهت، لتحلّ محلها «علاقة متوقعة» على حدّ تعبير بايدن.

الصين «في عمق» التصرفات الأميركية

أفاد أستاذ السياسات الدولية في «جامعة بوتسدام» لصحيفة «دويتشه فيله» الألمانية (DW)، أنّ السبب الأول الذي يدفع الولايات المتحدة إلى تطبيع العلاقات مع روسيا هو الصين. وأضاف إنّ «التركيز الرئيسي في رحلة بايدن إلى أوروبا أيضاَ، والهدف الأساسي منها، هو إقامة تحالفات ضد الصين»، لافتاَ إلى أنّ هذه الحقيقة كانت ظاهرة بوضوح في قمة مجموع السبع، ومنظمة حلف شمالي الأطلسي والاتحاد الأوروبي، كما في الاجتماع مع الرئيس الروسي.

وبحسب الصحيفة، تحاول روسيا المشاركة في صعود الصين الاقتصادي، ويجري بناء خطوط أنابيب جديدة إلى الصين، كما كانت روسيا تزوّد الصينيين بمنظومات أسلحة حديثة، لا يمكن لبكين أن تحصل عليها من الغرب، رغم «الحظر الروسي»، من تقليد الصين للتكنولوجيا العسكرية التي طوّرتها روسيا، وفق ما أفادت الصحيفة.


العداء باقٍ

تشير صحيفة «ذا غارديان» البريطانية إلى أنّ نظرة بوتين إلى الولايات المتحدة هي سلبية، وستبقى كذلك، لأنّ الرئيس الروسي التقى حتى الآن خمسة رؤساء أميركيين، وهو لا يبدّل موقفه حول بعض القضايا الجيوسياسية. ومن هذه القضايا، «توسّع حلف شمالي الأطلسي، وتدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية لروسيا، وسلوكها الذي يتّسم بالنفاق، كما اتضح في العراق وأماكن أخرى»، بحسب الصحيفة. وكالعادة، نفى بوتين، خلال القمة، أي علاقة لبلده بالهجمات السيبيرانية، مندّداً بـ«الانقلاب الدموي» الذي شهدته أوكرانيا عام 2014، والذي يتهم الولايات المتحدة بالتحريض عليه.

غير أنّ الصحيفة تؤكد أنّه، بالرغم من عدم تحقيق اختراقات كبيرة خلال القمة، وهو ما كان متوقعاً، تمّ تحقيق بعض النتائج «السهلة»، ومنها إعادة السفراء بين البلدين.

في الإطار، يؤكد دان فريد، الذي عمل مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأوروبية ــــ الآسيوية، خلال عهدَي جورج بوش وأوباما لصحيفة «فورين بوليسي»: «إذا كنت تريد أن تحلّ الأمور المعقدة مع روسيا، أو مع أي بلد آخر، فأنت تحتاج إلى فريق في السفارة، مع موظفين، ليتدخّلوا في المشكلة، ويقدّموا المشورة لواشنطن، حول ما هو ممكن وغير ممكن».