بعد مضيّ 49 يوماً على بدء التعبئة العامة في كولومبيا اعتراضاً على سياسة حكومة الرئيس إيفان دوكي، أعلنت لجنة الإضراب الوطنية، التي تضمّ النقابات العُمّالية، عن تغيير في استراتيجية الاحتجاجات؛ إذ قرَّر قادة النقابات تعليق التظاهرات التي ينظّمونها في جميع أنحاء البلاد ــــ منذ بدء الإضراب العام في 28 نيسان ــــ، موقّتاً. وجاء الإعلان على لسان رئيس «الاتحاد المركزي لعمّال كولومبيا» (CUT)، فرانسيسكو مالتيز، الذي قال، في مؤتمر صحافي، أوّل من أمس، إن «تعليق المسيرات لا يعني أن التعبئة الاجتماعية ستتوقّف في كولومبيا، بل ستستمرّ، لأن الأسباب التي حصلت هذه التظاهرات على خلفيّتها لا تزال قائمة». أتى قرار الاتحاد مفاجئاً لبعض المراقبين الذين اعتبروه تنازلاً من جانب المعارضة يصبّ في مصلحة حكومة بوغوتا، ولا سيما أن المفاوضات بين النظام الكولومبي و«اللجنة الوطنية للبطالة»، كانت قد عُلِّقت، منذ السابع من حزيران الجاري، بسبب عدم إحرازها أيّ نتيجة لجهة حلّ الأزمتَين السياسية والاقتصادية في البلاد. وعزا رئيس «الاتحاد العام للعمّال»، بيرسي أويولا، القرار، إلى الانتقادات المتزايدة للحصار الذي بات يؤثّر بشكل مباشر على اقتصاد البلاد، فضلاً عن تزامن التجمّعات البشرية مع ذروة انتشار وباء «كورونا» في كولومبيا، على حدّ قوله. وفي إطار تبرير قراره رفع الإضراب، لفت إلى أن التعبئة العامة تضاءلت، في الأسابيع الماضية، بسبب عدم إحراز أيّ تقدُّم على أرض الواقع. وفي هذا السياق، قال أويولا إن الأمر «يتعلّق بإنقاذ الأرواح في اتجاهين»، آملاً أن يؤدّي تعليق التظاهرات إلى منع انتشار الوباء الذي وصل إلى مستوى قياسي لجهة عدد الوفيات في الأسابيع الأخيرة. كذلك، أشار النقابي إلى موت الشباب والعنف التي تمارسه الشرطة في حقّ المتظاهرين، قائلاً: «لا نريد أن نواصل قتل الشباب في الاحتجاجات». ويضاف إلى ما سبق، فشل الحوار القائم بين الحكومة و«اللجنة الوطنية للبطالة» في التوصُّل إلى نتيجة تُرضي المحتجّين. فالمشكلة لم تعد في «قانون الإصلاح الضريبي» الذي كانت الحكومة تنوي إقراره لخنق فقراء البلاد، بل باتت مع النظام الليبرالي في ذاته، والقائم على التطرّف. وحتى نهاية الأسبوع الماضي، كان تعداد الضحايا الذين قضوا نتيجة عنف الشرطة، قد تخطّى الـ 70 قتيلاً، وآلاف الجرحى والمعتقلين، وفق أرقام منظمات حقوقية. إلّا أن وزارة الدفاع الكولومبية، بطبيعة الحال، لم تعترف سوى بمقتل 23 مدنياً في المدّة ما بين 28 نيسان و13 حزيران.
من شأن قرار «العمّال» تعليق الإضراب العام أن يسهّل من عملية الحوار مع الحكومة


عملياً، يُنهي قرار «الاتحاد العام للعمّال» الإضراب، ويعني أنه سيصار إلى رفع الحواجز التي كان المحتجّون قد نصبوها في شوارع رئيسيّة من المدن الكولومبية ــــ قُدّرَ عددها بأكثر من 1200 حاجز ــــ الأمر الذي أثّر على عمليات التموين والإمداد في مناطق مختلفة، ولا سيما على صعيد المحروقات والأدوية والمواد الغذائية، حتّى إنه جرى الحديث عن وفاة طفل في سيارة إسعاف بعدما منعت من المرور عبر أحد هذه الحواجز. كذلك، أدى الإضراب في المناطق إلى خسائر اقتصادية هائلة قُدّرت بأكثر من ثلاثة ملايين دولار، وفق وسائل إعلام كولومبية. غير أن هذا القرار لا يعني بالضرورة توقّف الاحتجاجات الشعبية في بعض المدن الكولومبية، حيث يواصل آلاف الشبان (غير المنتمين إلى النقابات بشكل رسمي)، التظاهر ضدّ الحكومة، وتنظيم التجمّعات الشعبية، حتى إنهم رفعوا، قبل يومين، في كالي ــــ بؤرة الاحتجاجات الرئيسيّة ــــ نُصباً تذكارياً هو عبارة عن قبضة يبلغ ارتفاعها 12 متراً مكتوب في أعلاها «مقاومة».
ويبدو أن خطوة «العمّال» ستسهّل عملية الحوار مع حكومة دوكي، التي وضعت مطلب رفع الحواجز شرطاً رئيسيّاً لعقد اتفاقات مع المعارضة. في هذا الوقت، أكدت وزارة الدفاع الكولومبية فتح 1119 طريقاً، ما من شأنه أن يرفع من حظوظ التوصّل إلى نتائج ملموسة في الحوار، وتلبية مطالب «لجنة البطالة» المتمحورة حول تحسين ظروف الحياة، كرفع الحدّ الأدنى للأجور، ورفع رسوم التسجيل عن طلاب الجامعات، وغيرهما من المطالب من مثل تقديم الضمانات من أجل التظاهر بأمان، ومبادرة رئيس الدولة إلى إدانة وحشية الشرطة.