عادة، لا ينبغي أن يكون الأمر بهذه الصعوبة، أي أن تكون رئيساً للولايات المتحدة تزور أوروبا، للمرّة الأولى، بعد تبوّئك منصبك. ولكن في حالة جو بايدن، يبدو الأمر مختلفاً، إذ تأتي جولته بعد أربع سنوات من رئاسة دونالد ترامب، الذي «أضرّ» بالعلاقات عبر الأطلسي، باستناده إلى نهج «أميركاً أوّلاً». من هنا، يواجه الرئيس الجديد تحدّياته الخاصة، ساعياً إلى إعادة إحياء التحالف الغربي المهتزّ، مُظلَّلاً بقوّة «منافسه» هي روسيا، وأخرى «مُهدِّده» هي الصين ــــ على حدّ وصف وزير الدفاع، لويد أوستن ــــ وحلفاء متشكّكين. على أيّ حال، لن تمنع هذه «التحدّيات»، بايدن، الذي سيقضي ثمانية أيام في أوروبا، من محاولة لملمة الثقة المفقودة. وعلى رغم «ضمانات» البيت الأبيض بعودة ما يسمّيه مسؤولوه «الدبلوماسية الأميركية»، إلّا أن ذلك لن يكون كافياً، وخصوصاً في ظلّ المفاجآت التي قد تحملها رئاسيات 2024، واعتزام ترامب خوضها بكلّ ثقله.وبصرف النظر عمّا تقدَّم، سعى بايدن، في مستهل زيارته، إلى إرسال رسالة قوية إلى بقية العالم: «ستستأنف أميركا دورها القيادي، وتعيد الالتزام بالتحالفات العالمية، وتدفع الديموقراطية إلى التغلّب على صعود الاستبداد»، بحسب ما صرّح، مشدّداً على أنه «في كلّ مرحلة على طول الطريق، سنوضح أن الولايات المتحدة قد عادت، وأن الديموقراطيات في العالم تقف معاً، لمواجهة أصعب التحديات والقضايا التي تهمّ مستقبلنا». وفي حين لم يذكر اسم سلفه، لكنّه حاول بوضوح تمييز نفسه عن النهج «الانعزالي» لترامب. «نحن ملتزمون بالقيادة بقوّة، والدفاع عن قيَمنا، وتقديم الخدمات لشعبنا»، قال بايدن، مؤكداً أن «أميركا في وضع أفضل لتعزيز أمننا القومي وازدهارنا الاقتصادي، عندما نجمع الدول ذات التفكير المماثل للوقوف معنا». وفي خطابه الذي استمرّ 20 دقيقة أمام ألف جندي وعائلاتهم في قاعدة «رويال بايز ميلدينهال»، حرص الرئيس الأميركي على تحديد هدفٍ لرحلته: إبراز القوّة في مواجهة التحديات الروسية والصينية. وفي هذا الإطار، شدّد على أنه يعتزم لقاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الأسبوع المقبل، «لإعلامه بما أريده أن يعرفه».
من المنتظر أن يناقش الرئيس الأميركي مجموعة من القضايا، من بينها التجارة والضرائب


وسيمضي الرئيس الأميركي الأيام الأربعة المقبلة في اجتماع «مجموعة دول السبع». وفي حين أجرى محادثات، أمس، مع رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، فقد عبّر هذا الأخير عن شعور الجميع «بسعادة بالغة» لرؤيته. تعبيرٌ مشوبٌ بالشكّ، على اعتبار أنّ جونسون كان من القادة الأوروبيين القلائل الذين استفادوا من العلاقات مع ترامب، وجمعت بينهما مصالح شخصية وسياسية مشتركة. ومن المنتظر أن يناقش بايدن مجموعة من القضايا، من بينها التجارة والضرائب، قبل أن يتوجّه إلى بروكسل، للتشاور مع قادة «حلف شمالي الأطلسي» والاتحاد الأوروبي، «في شأن الأمن في مواجهة التحديات من روسيا والصين»، وفق صحيفة «نيويورك تايمز». وستكون جنيف محطته الأخيرة، حيث سيلتقي مع بوتين، بعدما كان قد دعاه إلى الاجتماع، على رغم أنه لا يُتوقّع أن تؤدّي قمتهما إلى أيّ اتفاقات فورية. وفي هذا الإطار، يقول البيت الأبيض إنّ بايدن أراد مقابلة بوتين للضغط عليه مباشرة، في شأن الهجمات الإلكترونية وحقوق الإنسان، ومناقشة المجالات التي قد يكون لديهما فيها أرضية مشتركة، بما في ذلك الحدّ من الأسلحة النووية وتغيّر المناخ.
في غضون ذلك، يتطلّع قادة العالم لرؤية كيفية تعامل بايدن مع القضايا الدولية كرئيس، وذلك بسبب عدم التركيز عليها، خلال الأشهر الأربعة والنصف الأولى من تولّيه المنصب. إلّا أنه لن يكون خافياً على أحد أنّ من المتوقّع أن يصوّر رؤيته على أنّها معاكسة لسياسة ترامب الخارجية الأميركية أولاً، ويعيد تأكيد التزاماته بالتحالفات ثانياً، ويؤكد أن الخطوات التي يتّخذها على المسرح الدولي سيكون لها تأثير مباشر على الأميركيين، ثالثاً. ولعلّ أبلغ تعبير في هذا الإطار، جاء على لسان مستشار الأمن القومي، جايك سوليفان، الذي قال قبل الرحلة: «عندما يعود بايدن إلى واشنطن، الأسبوع المقبل، نعتقد بأننا سنكون في وضع أقوى لإدارة التهديدات والتحديات الرئيسية التي يواجهها هذا البلد، بما في ذلك كوفيد-19، المناخ، الصين، الإنترنت، روسيا، وتشكيل قواعد التجارة والتكنولوجيا».
ولكن كلّ ذلك لا يلغي واقع أن بايدن، الذي وصل من أجل إجراء سلسلة من القمم، مدعوماً ببرنامج تطعيم ناجح، واقتصاد منتعش، سيقضي وقته في أوروبا، في إثبات أنه مستعدّ لقيادة الغرب من جديد، في ما يسمّيه تصادماً وجودياً بين الديموقراطيات و«الأنظمة الاستبدادية». فمهمّته الأساسية تتمثّل في تقديم «الراحة الدبلوماسية»، التي استعصت على مثل هذه التجمّعات، خلال السنوات الأربع الماضية. وهنا، ستلوح أسئلة كثيرة في الأفق، منها ما يتعلّق بالخلافات في موضوع التجارة، وبالقيود الجديدة على الاستثمار والشراء من الصين، وأخرى بموقفه المتطوّر باستمرار في شأن خط أنابيب الغاز «السيل الشمالي 2».