لندن | لا يزال الدبلوماسي الفنزويلي، أليكس صعب، الذي اعتُقل على يد سلطات الرأس الأخضر، العام الماضي، بتهمة تبييض الأموال لمصلحة الحكومة الفنزويلية، معتقَلاً لدى الأرخبيل في ظروف قاسية، تتدهور في ظلّها حالته الصحّية بفعل إصابته بمرض السرطان ورفْض سجّانيه تأمين العلاج له. ويُعتقد أن صعب تعرّض للتعذيب على يد محقّقين أميركيين أرادوا انتراع اعترافات منه، تمهيداً لتسلُّمه من جانب سلطات كابو فيردي ومحاكمته في الولايات المتحدة، فيما يغيب أيّ ذكر للائحة اتّهام ضدّ الرجل - أو القانون الذي سيُحاكم بموجبه -، باستثناء ما يتّصل منها بتبييض الأموال وورود اسمه ضمن «أوراق بنما»، وهي حجّة لا صلة لها، على ما يظهر، برغبة أميركا في استدراجه إلى أراضيها، بالقوّة
في 12 حزيران 2020، كان أليكس صعب، الدبلوماسي الفنزويلي وممثّل بلاده لدى «منظّمة الاتحاد الأفريقي»، على متن طائرة توقّفت للتزوّد بالوقود في الرأس الأخضر (كابو فيردي) - جمهورية مكوّنة من عشر جزر بركانية في المحيط الأطلسي قبالة سواحل أفريقيا الغربية (موريتانيا والسنغال)، لا يتجاوز عدد سكّانها نصف مليون نسمة - عندما اقتحمت قوة خاصة تابعة لسلطات الأرخبيل، الطائرة، واعتقلته، غير آبهةٍ بحصانته الدبلوماسية التي يوفّرها القانون الدولي. ومن هناك، جرى نقله إلى مكان مجهول حيث خضع للتحقيق على يد محقّقين لم يُكشف عن هويّاتهم، على رغم الاعتقاد السائد بأنهم أميركيون. وقد عُلم في ما بعد أن صعب اعتُقل من قِبَل سلطات كابو فيردي، بناءً على أمرٍ أميركي، إذ تتّهمه الولايات المتحدة باستغلال منصبه لتسهيل عمليات «تبييض أموال» غير مشروعة.

ولم يسبق لصعب أن عمل أو عاش أو زار الولايات المتحدة على مدى السنوات الثلاثين الماضية، كما لم يشارك في أيّ صفقات شملت التعامل مع جهات أميركية. ومع ذلك، طاولته العقوبات الأميركية لدوره الدبلوماسي في شراء الإمدادات الأساسية للشعب الفنزويلي المحاصَر، ومشاركته في بناء مساكن داخل بلاده للفنزويليين ذوي الدخول المحدودة، وهو العمل الذي أدرجته واشنطن في إطار «غسيل الأموال». وفي آذار الماضي، وبعد تحقيق دام ثلاث سنوات، لم يعثر المدّعون العامون السويسريون على أيّ دليل يدعم اتهام صعب بغسل الأموال. وهذا يجعل من اختطاف الرجل واحتجازه والإساءة إليه، من قِبَل طرف ثالث قرَّر عمداً إهمال حصانته الدبلوماسية وتجاهُل وضعه الصحي المتردّي، فيما امتنع عن التواصل مع الحكومة الفنزويلية، انتهاكاً للقانون الدولي والاتفاقيات الدولية المنظِّمة لعمل الدبلوماسيين، بما فيها «اتفاقية جنيف».
يبدو أن التحضيرات مستمرة في الأرخبيل لاستكمال عملية تسليم صعب إلى الولايات المتحدة


وإذا تمكّنت الحكومة الأميركية من فرض إرادتها على حكومة كابو فيردي، واستطاعت تسلُّم صعب، سيمثّل ذلك تذكيراً مخيفاً بالبرنامج الأميركي السيّئ السمعة، والمستمرّ منذ عام 2001، والذي يفرض على كثير من الدول الخاضعة لنفوذ واشنطن تسليمَ مطلوبين لم تُوجَّه إليهم أيّ اتهامات قانونية، بل نُقلوا - سواء من بلدهم أو من بلد ثالث - بصفة سرّية، وجرى احتجازهم في معسكرات اعتقال سرّية تديرها الاستخبارات الأميركية في غير بلد (الأردن، بولندا، مصر... إضافة إلى معتقل غوانتنامو)، وتعرّضوا لمعاملة غير لائقة بالبشر بعد إخضاعهم للتعذيب، وهو ما يُعدُّ استخفافاً صلفاً بالقانون الدولي أو بمبادئ حقوق الإنسان. وكان مَن ينجو من هؤلاء المخطوفين من الموت تحت التعذيب، يظلّ عادة محتجزاً لسنوات من دون محاكمة. ولا شكّ في أن تواطؤ دول كثيرة مع الولايات المتحدة، يشجّع الأخيرة على الاستمرار في اتباع نهج «الكاوبوي» المتفلّت هذا، واختطاف أيّ كان واتهامه من دون أدّلة أو إجراءات قضائية. ولدى اعتقاله، كان صعب ينتقّل في إطار مهمّة إنسانية أخذته إلى إيران سعياً إلى ترتيب شحنات طارئة من المواد الغذائية والأدوية والإمدادات الأساسية للشعب الفنزويلي في ظلّ الحصار الأميركي الذي يقاسيه. وتبذل الولايات المتحدة جهداً استثنائياً لإعاقة التبادل التجاري بين فنزويلا ودول العالم، إذ تستهدف خصوصاً برنامجاً حكومياً لتوصيل الأغذية مباشرة من منزل إلى منزل، يسمّى «برنامج CLAP»، وهو ما تسبّب بحرمان ملايين الفنزويليين من الغذاء.
وبحسب التقارير الصحافية وجهات قانونية وحقوقية محايدة كما مصادر في الحكومة الفنزويلية، فإن صعب محتجز، منذ اعتقاله قبل عام تقريباً، في عزلة تامة وظلام دامس، فيما تمتنع سلطات الرأس الأخضر عن تقديم أيّ شكل من أشكال العلاج له، حتى إنها رفضت زيارة طبّية كان يعتزم القيام بها بروفيسور بريطاني مختصّ بالأورام. كما رفضت حكومة كابو فيردي، العضو في «المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» (الإيكواس)، حكماً من محكمة العدل التابعة للمجموعة بالإفراج الفوري عنه وإلغاء طلب تسليمه إلى الجانب الأميركي (صدر في 15 آذار الماضي). ويبدو أن التحضيرات مستمرّة في الأرخبيل لاستكمال عملية التسليم، التي إن حصلت، فستكون بمثابة إهانة لدول «الاتحاد الأفريقي»، التي لا يزال صعب مكلّفاً رسمياً بالعلاقات الفنزويلية معها.