تشهد الساحة الإيرانية هذه الأيام حماسة غير مسبوقة وانتظاراً شغوفاً للانتخابات المقررة في 26 شباط المقبل، التي سيُنتخب فيها مجلس الشورى المؤلف من 290 عضواً، وأعضاء مجلس خبراء القيادة الـ88، وذلك فيما تتكوّن الحياة السياسية والفكرية الإيرانية من تيارين أساسيين يتنافسان في ما بينهما، وهما "الإصلاحيون" و"المحافظون".
ويمكن وصف التنافس هذا العام، بـ"الحامي جداً"، وخصوصاً بعد التوصل إلى الاتفاق النووي، الذي يثير مخاوف إيرانية من تغلغل النفوذ الغربي إلى البلاد.
وعموماً، فإن "التيار المحافظ"، مثلاً، يرى أن مضمون الثورة الإسلامية سيتأثر، بشدة، بسبب الانفتاح الثقافي والسياسي والإعلامي "المبالغ فيها"، وهو ما سيفسح المجال أمام بعض المفاهيم والعادات غير الإسلامية للدخول إلى وجدان الشعب الإيراني، ما سيبعده عن المفهوم الذي قامت لأجله الثورة، ومن ناحية أخرى قد يسهّل التدخل الخارجي، وخصوصاً الأميركي منه، الذي يحاول أن ينفذ إلى إيران بأي طريقة. بالتالي، يحاول هذا التيار جاهداً الوقوف في وجه التدخلات الخارجية، التي من شأنها إضعاف قوة إيران، علماً بأن القيم التي رسخها "المحافظون" ادت دوراً أساسيا في صمود إيران وفرض حقوقها في رحلة المفاوضات النووية، وصولاً إلى رفع العقوبات وإعلان إيران دولة نووية.
التيار الإصلاحي الذي تتفرع منه العديد من الأحزاب والتوجّهات السياسية، يسعى دائماً إلى فتح إيران على العالم، مُطلِقاً الشعارات والمفاهيم العريضة ضمن إطار حوار الثقافات. كذلك، يدعو إلى حرية الانفتاح على العالم الخارجي، الأمر الذي يعد نقطة الاختلاف الأساسية، ذلك أن أهداف هذا التيار تفتح الأبواب أمام الثقافات الغربية التي تؤثر، اليوم، في جزء من الشباب الإيراني.
الجديد هذا العام، هو دخول حزب "نداء إيران" الانتخابات، بعدما كان قد جرى الإعلان عنه في عام 2014، الذي يتكون من جيل الإصلاحيين المنتمين إلى تيار محمد خاتمي، الذي حكم البلاد بين عامي 1997-2005، وانقطع بعدها عن الحياة السياسية قبل العودة إليها بعد انتخاب الرئيس حسن روحاني، الذي يؤيّد، بدوره، الحريات السياسية والثقافية، ضمن إطار احترام قيم الجمهورية الإسلامية.
يقول أحد المرشحين الإصلاحيين لمجلس الشورى محمد جواد حق شناس، إن حزب "نداء إيران" يتألف من مجموعة من المتطوّعين الإصلاحيين الذين عملوا تحت لواء حزب "مشاركت إيران الإسلامي"، قبل إيقافه برئاسة صادق خرازي. شناس يلفت إلى أن هذه الطاقات الفعالة من الشباب تعمل بنشاط، إلا أن الأجواء غير الإيجابية لا تطمئن في انتخابات حرة، وبالتالي إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه يستطيع الاصلاحيون السيطرة على 10 في المئة من مقاعد المجلس فقط، في ظل قوة التيار المحافظ في فترة ما بعد توقيع اتفاق جنيف.
وفيما تطرّق شناس إلى موضوع الرئاسة، فقد أوضح أن العادة السائدة في إيران هي تولي الرئيس ولايتين، بسبب البرامج المطلوب من الرئيس إنجازها، التي من الصعب أن تُنجز في ولاية واحدة، كما كان الحال مع محمود أحمدي نجاد ومحمد خاتمي وغيرهما. أما روحاني، فهو مرشح أساسي، بغض النظر عن العادة، وذلك نظراً إلى "حنكته واعتدال مواقفه والإنجاز المهم الذي قام به ووزير خارجيته محمد جواد ظريف في الملف العالق منذ أكثر من عشر سنوات، على صعيد السياسة الخارجية وبالتالي التوصل إلى الاتفاق النووي".
روحاني، الذي اعتبره البعض مخلصا، جمع بالدرجة الأولى بين الفكرين "الإصلاحي" و"المحافظ"، من خلال تأييده الانفتاح السياسي والثقافي على العالم، من دون التخلي عن القيم والمبادئ التي تتميز بها الجمهورية الإسلامية، حيث شكل محور توافق بين مختلف التيارات والتوجهات الإيرانية وعامة الشعب، بعدما كانت رقعة الخلافات قد اتسعت خلال ولاية نجاد الثانية.