طهران | زاد تسريب التسجيل الصوتي للحوار الذي أجراه وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، التوتّرات السياسية في إيران، في وقت تشارف فيه البلاد على إجراء انتخابات رئاسية، في منتصف شهر حزيران/ يونيو المقبل. المقابلة التي تمّ تسجيلها في 24 شباط/ فبراير، وبُثّت أجزاء منها يوم الأحد 25 نيسان/ أبريل عبر قناة «إيران انترناشيونال» الناطقة بالفارسية، والتابعة للعربية السعودية، تعدّ جزءاً من مشروع «التاريخ الشفوي» لأعضاء حكومة الرئيس حسن روحاني، والذي أُنجز بإشراف «مركز الدراسات الاستراتيجية لرئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية» الذي يديره مستشار روحاني، حسام الدين آشنا.وبحسب ما أعلن المتحدث باسم الحكومة، فإنّ الملف الكامل للحوارات كان مقرّراً أن يُحفظ في مكتب مجلس الوزراء بشكل مصنّف «سرّي»، على أن تُحفظ نسخة مختارة من كلّ حوار بالتوافق مع الشخص الذي أجريت معه المقابلة، في مؤسّسة وطنية ما للدراسات، ومن ثمّ تُنشر وتوضع بتصرّف الجمهور. بيد أن تسريب مقابلة ظريف بما تضمّنته من تصريحات غير معتادة، وبالتحديد في الوقت الذي تُجرى فيه المفاوضات النووية في فيينا، كان وقعه بمنزلة زلزال هزّ البيئة السياسية الإيرانية، وخصوصاً أن ظريف يُطرح كمرشّح محتمل للرئاسيات.

ماذا قال ظريف؟
يبدو أن وزير الخارجية الإيراني، ظنّاً منه أن المقابلة ستبقى طيّ السرية، أدلى بتصريحات تبتعد كلّ البعد عمّا يدلي به بشكل رسمي. فعلى الرغم من أن تسجيل مذكّرات المسؤولين السياسيين في أيّ دولة يعدّ أمراً مألوفاً، إلّا أنّ هذه المذكّرات تُنشر، عادة، في نهاية مهمّة ومسؤولية هؤلاء الأشخاص. من هنا، يكمن التحدّي الذي يواجهه ظريف في نشر كلام غير معتاد صادر عنه، بينما لا يزال يترأّس الدبلوماسية الإيرانية. وكان الجزء الذي أثار الانتقادات، من ضمن تصريحاته، هو إلقاؤه باللوم على دور الحرس الثوري، وعلى وجه التحديد الشهيد قاسم سليماني، القائد السابق لـ»فيلق القدس»، في تهميش دور وزارة الخارجية، وكذلك انتقاده للسياسات الروسية إزاء الاتفاق النووي.
إذ قال ظريف، في هذا الحوار العاصف، إن «الدبلوماسية» هي التي راحت ضحية «الميدان العسكري» في الجمهورية الإسلامية. وأضاف: «لم يحصل أن طلبت من الفريق سليماني أن يوقف مثلاً العمليات الفلانية مؤقتاً، لكي نحقّق تقدّماً في المحادثات. ليس من منطلق عدم رغبتي بذلك، فالفريق سليماني لم يكن ليوافق. لكن في المقابل، حصل مراراً أنه كان يطلب منّي أن أتابع في المحادثات المقبلة الموضوعات الفلانية». وفي جانب آخر من المقابلة، اتّهم ظريف روسيا «بوضع العصيّ في دواليب» مسار الاتفاق النووي، معتبراً أن «هدف الروس كان يتمثّل في ألا يُنجز الاتفاق النووي»، متابعاً أنهم «عندما رأوا أننا نقترب من إنجاز الاتفاق، بدأوا بوضع العقبات». وفي السياق نفسه، أشار الوزير الإيراني إلى أن الزيارة التي قام بها سليماني، عام 2015، إلى موسكو، ولقاءه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تمّا بإرادة من موسكو لا من طهران، موضحاً أن «روسيا وجّهت دعوة إلى الفريق قاسم سليماني لزيارة موسكو بهدف نسف منجزات الاتفاق النووي». وزاد: «نزعم أن السيد سليماني دفع بوتين إلى خوض الحرب (في سوريا)، بيد أن بوتين كان قد اتخذ قراره. لقد دخل بوتين الحرب، لكن من خلال القوات الجوّية، بيد أنه دفع أيضاً بالقوات البرّية الإيرانية إلى الحرب. وحتى ذلك الحين، لم نكن نملك قوة برّية. فقد تطوّع السوريون والعرب والأفغان».
تحوّلت القضية إلى مادّة خلاف وجدل بين القوى القريبة من الحكومة ومعارضيها


ردود فعل متباينة
أثار تسريب التسجيل الصوتي ردود فعل كثيرة في الوسط السياسي الإيراني. وفي جلسة مجلس الوزراء، أول من أمس، رأى الرئيس حسن روحاني أن «تسريب الشريط المسجّل للحديث غير العلني لوزير الخارجية، محمد جواد ظريف، في وقت تُسجِّل فيه محادثات فيينا أفضل نجاح، يهدف إلى إثارة الخلافات الداخلية في البلاد»، مشدّداً على ضرورة كشف المسؤولين عن تسريب هذا الشريط. وجاء ذلك في وقت أعلن فيه المتحدّث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، أن روحاني أوعز إلى وزارة الأمن بتحديد الضالعين في التسريب، الذي وصفه بأنه «سرقة»، عادّاً إيّاه «مؤامرة ضدّ الدولة والتماسُك الداخلي والمؤسّسات الفاعلة والمصالح القومية».
وفي أوّل ردّ فعل من قِبَله على التسريب، انتقد ظريف، في رسالة على موقع «إنستغرام»، اللغط الذي أثير. وقال إن «هذا الحديث هو بحث نظري سرّي حول ضرورة تفعيل الدبلوماسية والميدان، الهدف منه هو نقل تجربة ثماني سنوات إلى المسؤولين المستقبليين». وأضاف: «المؤسف أن هذا الحديث تحوّل إلى مناوشات داخلية واستغلّه البعض للانتقاد الشخصي». وأعرب وزير الخارجية الإيراني عن اعتزازه بالعلاقة العميقة بينه وبين الشهيد سليماني، على مدى عقدين من الزمن، وما رافقها من ودّ وصداقة وعمل مشترك.
في مقابل ذلك، وصف بعض النواب، ووسائل الإعلام المقرّبة من الحرس الثوري، ما ورد في التسجيل بـ«الخيانة»، معتبرين كلام ظريف عن سليماني بمنزلة «إهانة». وطالب عدد منهم بتدخّل المجلس الأعلى للأمن القومي والسلطة القضائية للتعاطي مع وزير الخارجية. وفي هذا السياق، لمح رئيس مجلس الشورى، محمد باقر قاليباف، في تغريدة له على موقع «تويتر»، إلى أن الانتقادات الموجّهة إلى سليماني «انتهازية لتحقيق مآرب سياسية». ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحدّ، إذ طالبت لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإسلامي، ظريف، بالحضور أمامها للبتّ في مقابلته المثيرة للجدل، فيما نصحه إسماعيل كوثري، وهو من قيادات الحرس الثوري، بأن يدخل «الميدان العسكري» ليرى ماذا يحدث هناك. وفي حين اعتبر بعض المراقبين تصريحات ظريف مؤشّراً إلى «السيادة المزدوجة» في إيران وتصاعُد التضاد، رفض أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، علي شمخاني، تلك القراءة، مؤكداً أن «السياسات الحاسمة للدولة في الميدان والدبلوماسية كانت ولا تزال حصيلة الحوارات المقنعة والخافية على النظرة السامّة للأغيار غير المرحّب بهم والأعداء».

مادّة جدل إضافية
على أيّ حال، تحوّلت هذه القضية والتساؤلات التي أثارتها حول الجهة التي تقف وراءها والهدف ممّا قامت به، إلى مادّة خلاف وجدل بين القوى القريبة من الحكومة ومعارضيها، وخصوصاً في الوسط الإعلامي. وفي هذا الإطار، رأت صحيفة «إيران» الحكومية أن «معارضي حكومة روحاني هم مَن يقفون وراء تسريب التسجيل الصوتي لظريف»، معتبرة أن «الهدف من ذلك هو ضرب المحادثات الجارية في فيينا والتأثير على الانتخابات الرئاسية الإيرانية». في المقابل، اتهمت صحيفة «كيهان» الأصولية، الحكومة، بتسريب التسجيل الصوتي، بهدف ما وصفته «الهرب من عار السجل الخاوي» للحكومة، في أيّامها الأخيرة. وكتبت أن «ماضي إجراءات حكومة روحاني في مجال العمليات النفسية يشير إلى أنه كلّما تصاعدت ضغوط الرأي العام عليها، وأصبح أداؤها تحت مجهر الرأي العام، تلجأ بدلاً من تقديم الاعتذار والعمل على تعويض الخسائر، إلى خدعة القنابل اليدوية الدخانية».
وبينما توجّهت وكالة أنباء «فارس»، التابعة للحرس الثوري، من جهتها، إلى ظريف بالقول إن «الشهيد سليماني أمدّكم بالسند والدعم في المحادثات، من خلال تعزيز محور المقاومة، لكنكم لم تستطيعوا تحويل ذلك إلى مادّة بيدكم»، مضيفة: «لقد ضحّى (سليماني) بنفسه لكي ينتعش الميدان وتحيا الدبلوماسية، لكنه بات اليوم متّهَماً بأن الدبلوماسية دفعت ثمن عمله في الميدان»، قدّمت صحيفة «اعتماد» الإصلاحية، بدورها، دعماً لكلام ظريف، مشدّدة على أن «المسؤولية النهائية لتنفيذ السياسة الخارجية يجب أن تقع على عاتق وزارة الخارجية، وأن تعمل باقي المؤسّسات بالتنسيق معها»، متابعة أن «القوة العسكرية يجب أن تكون سنداً لدبلوماسية البلاد، لا عقبة تعيق طريقها».
في النتائج، يبقى ظريف الضحية الرئيسيّة لتسريب تسجيله الصوتي، بما يمثّله الأخير من ضربة كبيرة للرجل ضمن هيكلية السلطة، ستلقي بظلالها على مستقبله السياسي. كذلك، من شأن التسريب، بالتزامن مع محادثات فيينا، أن يُخضع الانتخابات الرئاسية المقبلة لمزيد من تأثير القضايا المتعلّقة بالسياسة الخارجية. وليس من المستبعد، في هذا الإطار، أن تتحوّل ثنائية «الدبلوماسية ــــ الميدان» إلى مادة رئيسيّة للتنافس بين مرشّحي الأصوليّين من جهة، والإصلاحيّين والتيار المقرّب من حكومة روحاني، من جهة أخرى.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا