تتراكم القضايا الخلافية بين روسيا والاتحاد الأوروبي، في سياق تصاعُد التوتّر بين موسكو وواشنطن. طردُ الدبلوماسيين، والوضع في أوكرانيا، وقضية المُعارض ألكسي نافالني، تُمثّل جميعها عوامل إضافية تفضي إلى مزيد من التدهور في العلاقات بين موسكو وبروكسل. وعلى الرغم من أن هذا التدهور قد بدأ مع توسّع الاتحاد الأوروبي شرقاً في عام 2004، فقد تسارع مع العقوبات الأوروبية ضدّ روسيا في عام 2014. بحسب جان دو غلينياستي، الدبلوماسي السابق ومدير الأبحاث في «معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية»، فقد «كانت لروسيا، قبل هذا التاريخ، علاقات مهمّة مع ألمانيا وفرنسا وإيطاليا». إلا أن «المشكلة المطروحة هي تراجع علاقاتها الثنائية حتى مع هذه البلدان»، حيث «بات من الصعب على موسكو المحافظة على حدّ أدنى من الحوار مع كلّ من هذه الدول على حدة»، كما يقول دو غلينياستي.الرغبة الفرنسية المعلَنة في تطبيع العلاقات الأوروبية مع موسكو، والتي جرى التعبير عنها خلال اللقاءات المتكرّرة بين الرئيسَين الفرنسي والروسي، تلاها تشدُّدٌ ملحوظ في الموقف حيال روسيا. فقد أكدت باريس استعدادها لاستخدام العقوبات، ردّاً على إقدام موسكو على «تصرّفات غير مقبولة»، وذلك لتأكيد الدعم الفرنسي الحاسم لكييف. ألمانيا، من جهتها، وعلى الرغم من دعمها لأوكرانيا، لم تبدِ حماسة تُذكر لقبول فكرة العقوبات دفاعاً عن قضايا حقوق الإنسان. إذ «قُدّم اقتراحٌ لتعليق مشروع السيل الشمالي 2، لكن ألمانيا لا ترغب في ذلك، نظراً إلى أهميته بالنسبة إلى سياستها في ميدان الطاقة» وفقاً لفلوريان فيدال، الباحث في «المركز الفرنسي للعلاقات الدولية» والمتخصّص في السياسة الخارجية الروسية. يشير فيدال إلى أن «هناك خلافات في داخل الاتحاد الأوروبي، وروسيا تستفيد منها عبر تجاوزها والسعي للحفاظ على علاقات مع الدول التي لديها مصالح مشتركة معها». وهو يرى أن «هذا ما يفسّر صعوبة بلورة بروكسل موقفاً موحّداً ذا صدقية تجاه روسيا».
الرغبة الفرنسية في تطبيع العلاقات الأوروبية مع موسكو تلاها تشدُّدٌ في الموقف


في هذا الوقت، تحاول إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، توحيد الصفوف مع أوروبا، لحملها على الاشتراك في استراتيجية احتواء الصين وروسيا، ما يعني أن هذه الأخيرة مرشّحة لأن تصبح أسيرة لديناميات الاستقطاب الدولي. إلّا أن إيزابيل فاكون، نائبة مدير «مؤسسة الدراسات الاستراتيجية»، تعتقد بأن الاتحاد الأوروبي لا يتبع سياسة الانقياد خلف الولايات المتحدة. «ما تقوم به روسيا راهناً في أوكرانيا، وهجماتها السيبرانية وعمليات التسميم، هي ممارسات غير مقبولة من قِبَل الأوروبيين، بمعزلٍ عن موقف الأميركيين» تقول فاكون، مضيفة إنّ «تطوّر العلاقات بين روسيا والاتحاد متّصل بما ستفعله موسكو في جوارها، وليس بما يريده الأميركيون». لكن جان دو غلينياستي يرى، من جهته، أن سياسة فريق بايدن تساهم في دفع روسيا نحو التشدّد، وتفضي إلى تجديد التوتّر بينها وبين أوروبا. «الروس مقتنعون بأنهم محاصَرون»، يقول دو غلينياستي، موضحاً أن «الجميع يتحدّث عن مناوراتهم العسكرية، لكن نسمع القليل جداً عن تلك التي ينوي الناتو إجراءها، أي ديفندر 21، التي تعدّ الأكبر للحلف منذ نهاية الحرب الباردة، وذلك على مسافة 150 كلم من موسكو، إن كان في أستونيا أو بولونيا أو في دول البلطيق». ويضيف إن «الروس يشرعون بمناورات مضادّة أضخم، ويتّخذون إجراءات تُناقض الرغبات الغربية، ردّاً على مناورات الناتو». ويخلص إلى «(أننا) أمام دينامية كارثية».
يوافق فلوريان فيدال على هذا التحليل، معتبراً أن الولايات المتحدة تريد تأجيج بؤر التوتّر المحيطة بروسيا. وعلى رغم أن «واشنطن، في حال اندلاع نزاع مجدّداً في الدونباس، لن تتورّط فيه مباشرة»، إلا أنها «بالتعاون مع تركيا، تقدّم مساعدات عسكرية لأوكرانيا». ومن هذا المنطلق، يرى أن «هناك إرادة أميركية واضحة في داخل الناتو لتأجيج بؤر التوتر في أطراف أوروبا مع روسيا»، مضيفاً إن «منطقة دونباس جزء من هذه البؤر، وكذلك البحر الأسود والبلطيق». وإذ يشير إلى «عمليات استعراض للقوة في هذا الفضاء الجغرافي» جارية منذ سنوات عديدة، فهو يلفت إلى أنه «إضافة إلى مناورات ديفندر 21، ستكون المناطق المحاذية لروسيا في النروج مسرحاً لأكبر التدريبات العسكرية لحلف الناتو في هذه المنطقة من أوروبا الشمالية». في المحصّلة، فإن «القارّة العجوز تجد نفسها في قلب لعبة استعراض القوة العسكرية الذي يتمّ جزء منها على أراضيها»، بحسب فيدال. علاوة على تلك المناورات التي تحضّ الروس على تشدّد مضاعَف، فإن واشنطن تعتمد على نادٍ صغير يضمّ دول أوروبا الشرقية. «دول البلطيق وبولونيا وتشيكيا تلتزم بالأجندة الأميركية»، يقول الباحث الفرنسي، مضيفاً إن «بلداناً كألمانيا، وبدرجة أقلّ فرنسا وإيطاليا، تجد نفسها في وسط هذه المعركة الدبلوماسية، في مقابل مجموعات صغيرة من البلدان النشيطة جداً والمعادية بحدّة لروسيا، والتي تشارك في الخطّة الأميركية». ويختم فيدال أنه «طالما بقي فلاديمير بوتين في السلطة، من الصعب توقّع تغيير في مواقف هذه المجموعات».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا