قبل نهاية الشهر الأول من عام 2019، وفيما كانت العاصمة الكوبية هافانا تحتفل بعيد ميلادها الـ 500، باغتها إعصار دام لدقائق، خلّف الكثير من الأضرار البشرية والمادية. الجزيرة الكاريبية المعتادة غدرَ الأنواء اعتيادها ردّ شرور الإمبراطورية، سرعان ما بدأت تكنس شوارعها وتغيث منكوبيها، قبل أن تخرج عاصمتها في مسيرة المشاعل السنوية، ليل الثامن والعشرين من كانون الثاني. هذه المسيرة التي باتت مكرّسة كتحيّة للشهيد خوسي مارتي، يحضرها كبار قادة الدولة والحزب وضيوفهم. في ذلك العام، كان راوول كاسترو على رأس آلاف المشاركين، طلاباً وعمالاً ومزارعين، إلى جانب الرئيس ميغيل دياز ــــ كانيل.المتحدّث الرئيسي في المسيرة كان راوول. لكن ليس راوول كاسترو، بل راوول أليخاندرو بالميرو، الشاب العشريني الذي كان يرأس اتحاد الطلبة الجامعيين. وقف يتحدّث عن الثورة، وعن بلاده، وعن مواجهة الإمبريالية، وعن السعي إلى رفع آثار الإعصار عن المدينة. سبق ذلك نزوله مع رفاقه لإغاثة المنكوبين: «إن أفضل طريقة للقول، هي بالعمل».
ليس بالميرو استثناءً هنا، بل هو القاعدة. شاب عشريني، يتحدّث لتستمع له قيادة الدولة والحزب. فمن أبرز ما كرّسه راوول كاسترو، بعد فيديل، هو «تصعيد» جيل جديد في الحزب، على مدى العقود الستة الماضية.

راوول كاسترو، المتقاعد من كل سلطة سياسية وحزبية في المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الكوبي، أول من أمس، كان يرمق بالميرو، ورئيس الدولة، بالنظرة نفسها التي كان يوجّهها نحو فيديل، القائد الراحل، والرمز الكبير لحركات التحرر في العالم. لم يكن راوول شقيق فيديل وحسب. كانا معاً منذ الطلقات الأولى في المونكادا في سانتياغو دي كوبا، يوم السادس والعشرين من تموز 1953. قبل انتصار الثورة بما يزيد على خمس سنوات، خاضا معاً المعركة التي أدّت إلى اعتقالهما، مع رفاق لهما. ومعاً، خرجا إلى المكسيك، ثم عادا إلى كوبا، مع تشي غيفارا وغيره من الثوار. طوال أيام الثورة المسلّحة، وصولاً إلى النصر والحكم، لم يكن راوول شقيقاً ولا ظلاً. كان يرى في فيديل مشروعه الذي انتصر. والأهم، أن راوول كان شريك غيفارا في دفع الثورة نحو اعتناق الماركسية اللينينية. وهو بعد فيديل، لم يكن وريثاً بحكم صلة الدم. بل تطوّع ليقود المرحلة الانتقالية بين الجيل الذي قاد الثورة، والجيل الذي ولد بعد انتصارها. ويوم أول من أمس، خرج من الحكم، متمّماً واجباته الثورية، مطمئناً إلى أن ما قضى عمره دفاعاً عنه، هو في عهدة حزب حيوي ولّاد للأفكار والنقد والكوادر، يقوده جيل لا يخجل بانتمائه، يجيد اختيار معاركه، ولا يخشى مواجهة القوة المهيمنة، ولو كانت قادرة على تدمير العالم.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا