تحتلّ آسيا موقعاً مركزياً ضمن الأولويات الاستراتيجية للقوى الغربية، في سياق احتدام المواجهة بين واشنطن وبكين. وباتت العلاقات الاستراتيجية والعسكرية بين الولايات المتحدة وشركائها في منطقة آسيا - المحيط الهادئ تندرج في إطار مفهوم جديد: الهند والمحيط الهادئ. يؤشّر هذا المفهوم إلى مقاربة استراتيجية ودبلوماسية تسعى إلى ربط المحيط الهادئ بذلك الهندي في إطار سياسة احتواء الصين.يعتبر جان لوك راسين، مدير الأبحاث في «المركز الوطني للأبحاث العلمية» المتخصّص بالشؤون الآسيوية، أن للمحيط أهمية على مستويَين: «هو فضاء تتزايد أهمّيته في التجارة البحرية الدولية. ومع صعود القوة الصينية، فإن غالبية صادراتها تُنقل عبر البحار وتمرّ بالمحيط الهندي. من جهة أخرى، فإن الهند تحتلّ موقعاً مركزياً في العلاقات بين الولايات المتحدة وآسيا غير الصينية. هي بدورها دولة صاعدة ترى تعاظماً في الفجوة بين قدراتها العسكرية والاقتصادية، وتلك الصينية. المقاربة الأميركية الجديدة تفترض ضمّ الهند إلى المحور الذي يَجمع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا. هي لم تُوقّع على اتفاق تحالُف، لكنها عزّزت شراكتها مع هذه الدول ما أدّى إلى تشكيل (الكواد)، وهو إطار للحوار بين الدول الأربع حول قضايا المناخ والأمن البحري وعمليات الإنقاذ في البحار، لكن جميع تلك القضايا مرتبطة بموقف ضمني من الصين».
في الواقع، فإن «الكواد» هو تحالف يشارك في سياسة احتواء الصين. منذ 2008، شرعت الولايات المتحدة في استدارة نحو آسيا في الميادين الاستراتيجية - العسكرية والاقتصادية. وقد ارتفعت حدّة مجابهتها الاستراتيجية مع الصين في عهد دونالد ترامب، وهو ما انعكس تمتيناً لشبكات تحالفاتها في أنحاء هذه المنطقة. إيمانويل فيرون، الأستاذ في كلّية البحرية الفرنسية والمتخصّص في الشؤون الصينية، يشير إلى أننا «شهدنا تطويراً للدعم الأميركي لأمن اليابان وقدراتها الدفاعية، وكذلك بالنسبة لتايوان وكوريا الجنوبية. رأينا أيضاً تعميقاً للحوار الاستراتيجي والدبلوماسي مع الهند، ودول أخرى في جنوب شرق آسيا، وسعياً أكبر للتقارب مع الحلفاء الغربيين التقليديين. بوعي اليوم، نستطيع أن نلاحظ أن مفهوم (الهند والمحيط الهادئ) مَثّل ردّاً على مشروع (الحزام والطريق) الصيني. عندما انكبّ الخبراء الأميركيون على دراسة هذا المشروع، اتّضحت لهم أهدافه الجيوستراتيجية والجيواقتصادية بالنسبة لبكين. لذلك، سرّعت واشنطن عملية تعزيز تحالفاتها في منطقة الهند والمحيط الهادئ، خاصة المحور البحري تايوان - اليابان. تواجه الصين هذه الاستراتيجية عبر تنمية شراكاتها القارية الأوراسية».
تمضي الصين في عملية تحديث ضخمة في مجال قدراتها البحرية


وفي سياق متصل، تمضي الصين في عملية تحديث ضخمة في مجال قدراتها البحرية. يُذكّر إيمانويل فيرون بأن بكين تُخصّص ميزانيات ضخمة لتحديث أسطولها العسكري البحري، بما يشمل حاملات الطائرات والمدمّرات والفرقاطات والغواصات. والأمر نفسه ينطبق على عمليات البحث عن الموارد في أعماق المحيطات. جان لوك راسين يرى أن «ما يُميّز الاستراتيجية الصينية الحالية هو ما تُسمّيه بكين حدّ الخطوط التسعة، وهو، وفقاً لخرائطها، يرسم حدودها البحرية في بحر الصين الجنوبي. لكن دول الجوار، والتي تضمّ بلداناً كفيتنام والفيليبين تعترض على هذه الرؤية الصينية. هناك منعطف نحو التشدّد الحاسم في سياسة الأمن القومي الصينية منذ وصول شي جينبنغ إلى السلطة، مع ما يترتّب على ذلك من توتّر متصاعد بينها وبين الولايات المتحدة في هذه المنطقة. وقد أظهر الاجتماع الأول في ألاسكا بين المسؤولين الأميركيين والصينيين حدّة الخلافات في ما بينهم».
احتمال الصدام المباشر بين الدولتين أضحى أكبر نتيجة هذه التطوّرات. «يتناول غراهام أليسون في كتابه المعروف، فخّ توسيديدس، مثل هذا السيناريو. عندما تتراجع قوة مسيطرة كالولايات المتحدة وتَصعد قوة جديدة كالصين، من الممكن أن يقع صدام يتدحرج نحو الحرب. إذا تمَعنّا في هذه المعطيات، سنلاحظ تضخُّماً في ميزانيات الدفاع الأميركية في منطقة آسيا - المحيط الهادئ. علاوة على ذلك، فإن عدد المناورات البحرية والبرّية فيها أو في منطقة الهند والمحيط الهادئ قد تزايد أيضاً. هناك مراكمة للقدرات العسكرية وتكثيف للمناورات في المنطقة مع إصرار من الطرفين على عدم التراجع. نحن على مسافة قصيرة جدّاً من احتمال تصعيد خطير»، حسب فيرون. وهو مقتنع بأن البقعتَين الجغرافيتَين اللتين قد تشهدان استعاراً للمواجهة في السنوات القادمة هما بحر الصين، حيث تحتشد الأساطيل الصينية والغربية، وتايوان، التي يشكّل مستقبلها قضية خلافية حادّة بين الصين والقوى الغربية.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا