في موازاة اتّهام إيران، إسرائيل، بالوقوف خلف الهجوم الذي استهدف، أوّل من أمس، منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم في وسط البلاد، وتوعُّدها إيّاها بالانتقام وبتكثيف أنشطتها النووية، وفي وقتٍ تتواصل فيه المساعي الدبلوماسية لإعادة تفعيل الاتفاق النووي ضمن مجموعة "5+1"، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، يوم أمس، أن الضرر الذي لَحق بالمنشأة النووية ناجم عن انفجار كبير متعمَّد، كان لإسرائيل يد فيه. وفي حين أعلنت إيران، على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية، سعيد خطيب زاده، أنه لا يزال "من المبكر جداً" تحديد الأضرار المادّية الناتجة عن الهجوم، أشارت مصادر الصحيفة إلى احتمال أن يكون الانفجار قد "دمَّر بالكامل نظام الكهرباء الداخلي الذي يغذّي أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض".صحيح أن ملابسات الهجوم وطريقة تنفيذه وحجم الأضرار الناجمة عنه، ستبقى، في جزء منها، غامضة، غير أن الصحيفة ذكرت، نقلاً عن مسؤولين في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية، قولهم، إن "انقطاع التيار الكهربائي (في المنشأة) بدا أنه نجم عن تفجير مخطَّط له عمداً ضَرب موقع تخصيب اليورانيوم في نطنز يوم الأحد". وعلى رغم إعلان رئيس "منظّمة الطاقة الذرية الإيرانية"، علي أكبر صالحي، أن "تخصيب اليورانيوم في منشأة نطنز لم يتوقّف وهو ماضٍ إلى الأمام بقوّة، وما حدث من خلل لبعض الأجهزة سيُعالَج وستعود إلى العمل بأضعاف ما كانت عليه"، أفاد مسؤولان استخباريّان، "نيويورك تايمز"، بأن "العملية الإسرائيلية السرية" أدّت إلى انفجار "وجَّه ضربة قاسية لقدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، وقد يستغرق الأمر تسعة أشهر على الأقلّ لاستعادة نطنز إنتاجها". لكن طبيعة الهجوم غير واضحة: فقد يكون انقطاع التيار الكهربائي ناتجاً عن متفجّرات، بحسب مسؤولين استخباريين لم تَذكر الصحيفة أسماؤهم، فيما تحدّثت وسائل إعلام إسرائيلية، ابتداءً، عن هجوم إلكتروني محتمل نفّذه "الموساد". من جهتها، لم تذكر إيران على وجه التحديد سبب انقطاع التيّار الكهربائي في الموقع الشديد التحصين، والذي كان هدفاً لعمليات تخريب سابقة، رفضت إسرائيل علناً ​​تأكيد أو نفي مسؤوليتها عنها. إلّا أن بعض الخبراء الإيرانيين نفوا التكهنات الأوّلية بأن هجوماً إلكترونياً قد يكون سبباً في انقطاع الطاقة، خصوصاً أن مجمّع نطنز يحتوي على شبكة طاقة خاصة به وأنظمة النسخ الاحتياطي المتعدّدة وطبقات الحماية الأمنية التي تهدف إلى منع مثل هذا الهجوم من إيقاف تشغيل نظامه بشكل مفاجئ. وفي هذا السياق، يعتبر علي فايز، مدير مشروع إيران في "مجموعة الأزمات الدولية"، أن "من الصعب أن نتخيّل أنه كان هجوماً إلكترونياً. السيناريو المحتمل هو أنه إمّا استهداف للمنشأة بشكل غير مباشر، أو من خلال التسلّل المادي".
اكتفى أوستن بالقول إن الجهود الدبلوماسية ستتواصل مع إيران لإحياء الاتفاق النووي


الهجوم الأحدث على نطنز يُعتبر الأوّل الذي يَستهدف منشأة نووية إيرانية في عهد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي "صادف" وصول وزير دفاعها، لويد أوستن، في اليوم ذاته لوقوع "العمل التخريبي"، إلى إسرائيل. وهو يوم يفترض، وفق الصحيفة، أن يُمثِّل "علامة فارقة" للعلاقات الأميركية - الإسرائيلية في ظلّ الإدارة الجديدة، لكون الزيارة هذه هي الأولى لمسؤول حكومي أميركي رفيع المستوى. وفي حين "لم يتّضح على الفور إذا ما كانت إدارة بايدن قد تبلّغت مسبقاً في شأن عملية نطنز"، رفض أوستن التعليق على الحادثة، مكتفياً بالقول إن الجهود الدبلوماسية ستتواصل مع إيران لإحياء الاتفاق النووي، فيما أفاد مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، صحيفة "واشنطن بوست"، بأن الولايات المتحدة "ليس لها أيّ دور" في الهجوم. ووقع الانفجار بعد أسبوع من مشاركة الولايات المتحدة وإيران في أوّل مساعٍ دبلوماسية غير مباشرة في ظلّ إدارة بايدن تهدف إلى إحياء الاتفاق النووي. لكنه لم يتّضح كيف يمكن الحادثة أن تؤثّر على مسار التفاوض، خصوصاً أن إيران تواجه، راهناً، حسابات معقّدة بشأن كيفية الردّ. في هذا الإطار، يقول هنري روما، محلّل شؤون إيران في مجموعة أوراسيا، وهي شركة استشارية للمخاطر السياسية: "تواجه طهران توازناً صعباً للغاية. ستشعر بأنها مضطرّة للردّ لإبلاغ إسرائيل بأن الهجمات ليست بالمجان". وفي الوقت نفسه، تحتاج الجمهورية الإسلامية، وفق روما، إلى "ضمان أن مثل هذا الانتقام لا يجعل من المستحيل سياسياً استئناف العمل" بالاتفاق النووي. ما يجري، على حدّ تعبير "فورين بوليسي"، ليس حرباً باردة، بل إجراء آخر في معركة انتقامية ضدّ إيران أصبح من الصعب تمييزها عن الحرب المباشرة.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا