المشكلة الفعلية بالنسبة إلى الدول المجاورة هي صواريخ «كروز» لن يتم التطرُّق إلى الدور الإقليمي لإيران خلال المحادثات النووية

عُقد في فيينا، يوم الثلاثاء الماضي، الاجتماع الأوّل لـ«اللجنة المشتركة» بغية إطلاق مسار العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران. وعلى رغم التباين الواضح بين المقاربتَين الأميركية والإيرانية، المعلنتيَن في هذه المرحلة، إلّا أن هناك أكثر من سيناريو مستقبلي محتمل. ميشيل ماكنسكي، الباحث في «معهد الاستشراف والأمن» في أوروبا، والمدير العام لشركة «أجيروميس» الاستشارية حول إيران والشرق الأوسط، تحدّث، في مقابلة مع «الأخبار»، عن واقع هذه المفاوضات ومآلاتها الممكنة

وُصفت محادثات فيينا بـ"المثمرة"؛ ما هي المؤشرات إلى تسجيل بعض التقدُّم على طريق إنقاذ الاتفاق؟
- أعتقد أنّ من المبكر وصف المحادثات بالمثمرة. أُفضّل القول إن المسار قد انطلق. ففي الاجتماع الأخير للجنة المتابعة، اتُّخذ قرار بتشكيل مجموعتَي عمل متمايزتَين: الأولى، ستُعنى بالإجراءات الخاصة بعودة إيران إلى الالتزام بموجبات الاتفاق النووي؛ والثانية، سيتمحور اهتمامها حول عملية رفع العقوبات. هناك مهمّة أخرى شديدة الدقّة، وقد تتطلّب تفاوُضاً مسبقاً يتوازى مع عمل المجموعتَين، وهي ضمان التناغم بينهما. ستسلّم المجموعتان تقريرَيهما خلال اجتماع اللجنة يوم الجمعة المقبل، وعندها، ستنطلق المفاوضات بالمعنى الفعلي للكلمة. من الصعب، حتى اللحظة، تحديد مؤشرات النجاح في مجال ما. ولكن، وعلى الرغم ممَّا يظهر من تشبّث لكلّ طرف بموقفه، فإن عقبةً كبيرة قد تمّ تجاوزها، تمثَّلت في تخلّي الولايات المتحدة عن إصرارها على قيام إيران بالخطوة الأولى للالتزام بموجبات الاتفاق. وقد صدر بيان عن وزارة الخارجية الأميركية اعتَبر أن المهمّ ليس "مَن يقوم أوّلاً بخطوة ما"، بل التركيز على مضمون المفاوضات. موقف الإيرانيين تراوَح بين حدَّين، ربّما لأسباب داخلية: دافعوا بدايةً عن مقاربة "خطوة في مقابل خطوة"، ليعودوا بعدها إلى طرح فكرة "الالتزام الكامل بموجبات الاتفاق" من قِبَل الطرفَين. المحادثات بين فريقَي التفاوض ستكون شاقّة، ونحن أمام عدّة احتمالات:
الأوّل، هو تفاهم الطرفين على مبدأ العودة إلى الالتزام الكامل بالاتفاق، أي احترام إيران لموجباتها، ورفع للعقوبات من قِبَل الولايات المتحدة، وأن يتمّ ذلك على مراحل. من الصعب تصوُّر أن يستطيع الأميركيون رفْع جميع العقوبات المسمّاة نووية مرّة واحدة. والأمر نفسه ينطبق على إيران التي لن تتمكّن من العودة إلى الالتزام الفوري بموجبات الاتفاق، لأن ذلك يستوجب بعض الوقت. يبقى أن هناك مسألة العقوبات غير النووية التي فرضها الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، إن كانت تلك المتعلِّقة بحقوق الإنسان أو بمكافحة الإرهاب، ومن غير المؤكّد أن يَقبل الأميركيون برفْعها. إضافة إلى ذلك، هناك العقوبات الأوّلية التي فرضها الكونغرس، والتي لا يملك الرئيس صلاحيات لرفعها.
هناك توافق على الأولويّات بين إيران والولايات المتحدة، وهي الاتفاق النووي ومسألة العقوبات


الثاني، هو أن يقوم الأميركيون بإجراءات رمزية تكون بمثابة إشارات حسن نية، من دون الالتزام بجميع موجبات الاتفاق. يمكنهم، مثلاً، السماح لعدد من البلدان، بينها كوريا الجنوبية، بأن تتيح للإيرانيين القدرة على استخدام أموالها الموجودة في مصارفها لشراء الأدوية من سويسرا.
نحن لا ندري ما إذا كنّا نتّجه إلى السيناريو الأوّل أو الثاني، أو إلى سيناريو ثالث يتضمّن عناصر من الاثنين.

هل لحَظتم تطوّراً فعلياً في مقاربة إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، التي لا يزال جناحها المتشدِّد يطالب بتوسيع الاتفاق ليضمّ ملفّات أخرى غير ذلك النووي؟
- أعتقد أن هناك توافُقاً على الأولويات بين إيران والولايات المتحدة، وهي الاتفاق النووي ومسألة العقوبات. بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، أعلنا بوضوح أن التوصُّل إلى تفاهم حولهما سيشكِّل أرضية صلبة من الممكن الاستناد إليها للانتقال نحو مفاوضات حول الصواريخ الباليستية الإيرانية من جهة، وحول دور طهران الإقليمي من جهة أخرى. لكن الموقف الإيرانى الرسمي من مشروع الصواريخ الباليستية هو اعتباره غير قابل للتفاوُض. أنا أعتقد أن الموضوع أكثر تعقيداً، لأنها ليست المرّة الأولى التي تُبدي فيها السلطات الدينية العليا في إيران تصلُّباً في الموقف، لتُوافِق في ما بعد على مقاربة أكثر براغماتية. برأيي، إن قابلية هذا المشروع للتفاوض وثيقة الصلة بالاتفاق النووي. العقيدة العسكرية الإيرانيه تَعتبر أن هذه الصواريخ هي وسيلة ردع وحماية لأمن البلاد. أظنّ أن المشكلة الفعلية بالنسبة إلى الدول المجاورة هي صواريخ "كروز" العالية الدقة والمتطوّرة تكنولوجياً، لا الصواريخ الباليستية. إذا توصّل الطرفان إلى حلٍّ مناسب بالنسبة إلى الاتفاق النووي، فسيتعاطى الإيرانيون بانفتاح أكبر مع فكرة التفاوض حول الصواريخ الباليستية التي يحرصون دائماً على تأكيد محدودية مداها، وهي طريقة غير مباشرة للايحاء بأنها قابلة للتفاوض. لكن مثل هذا السيناريو يَفترض استعادة طهران قدرتها على تصدير النفط ومشتقّاته، بما فيها تلك البتروكيميائية، التي لديها قيمة مضافة أعلى من النفط الخام، وعلى التعامل الطبيعي عبر النظام المصرفي الدولي مع شركائها. أخيراً، وفي ما يخصّ الدور الإقليمي لإيران، أنا مقتنع بأن الأميركيين فهموا أن هذا الملفّ لن يكون خاضعاً لأيّ تفاوض في إطار مجموعة "5+1". في حزيران/ يونيو الماضي، اقترح جايك سوليفان، الذي بات اليوم مستشاراً للأمن القومي، تصوُّراً لتفاوض مستقبلي حول هذا الأمر تقوم بموجبه الولايات المتحدة بالتوسّط بطريقة غير رسمية بين دول المنطقة، وعبر إشراك الإسرائيليين في هذه المحادثات. لن تكون واشنطن طرفاً في هذه المفاوضات، بل جهة مسهّلة. هو اقتراح لا يهدف إلى البناء السريع لمنظمة أمنية إقليمية. لا نعرف إذا كانت هذه الرؤية ستؤخذ في الاعتبار، لكن الأكيد هو أنه لن يتم التطرّق إلى الدور الإقليمي لإيران خلال المحادثات حول الاتفاق النووي.

ما هي حقيقة الموقف الأوروبي، وهل هناك انسجام في مواقف الدول الأعضاء في الاتحاد، أم أن الخلافات ما زالت مستمرّة في ما بينهم؟
- رسمياً، هناك توحيد للمواقف، بعدما شهدنا، في الأيام الأخيرة، مساهمة أوروبية في تسهيل الاتصالات بين الأطراف المختلفين. في الواقع، هناك اختلاف بين مواقف الدول الثلاث (فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا) التي هي أقرب إلى موقف التيار المتشدّد في إدارة بايدن، وبين موقف الاتحاد الأوروبي كمؤسّسة. وزير خارجية الاتحاد، جوزيب بوريل، يمثِّل استمرارية لتوجُّهات سلفه، فيديريكا موغريني، المؤيّدة لتعاون أكبر بين أوروبا وإيران، وغير المهجوسة حصراً بالاعتبارات الأمنية. من المفيد الالتفات إلى أن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بعد فترة التوتّر التي سادت بين الأوروبيين والإيرانيين، أشار إلى أنه يريد أن يكون بوريل محاوِراً أوروبياً. وقد أعلنت الدول الأوروبية الثلاث أن بوريل سيكون المنسّق في المفاوضات حول الملف النووي. أدّى هذا الخيار إلى إظهار موقف أوروبي موحّد أمام الإيرانيين، من دون تمييز بين الدول الثلاث المشار إليها والاتحاد كمؤسّسة.

الباحث في «معهد الاستشراف والأمن» في أوروبا



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا