بعد هدوء استمر أشهراً، عاد الصراع الروسي ـــ الأوكراني إلى الواجهة، محمَّلاً بمشاهد تكاد تُذكِّر بالحرب التي قامت بين الجانبين قبل سبع سنوات. وتصاعد التوتّر اعتباراً من الأسبوع الماضي، بعدما أعرب "حلف شمال الأطلسي" عن قلقه ممَّا قال إنها تعزيزات عسكرية روسية كبيرة على الحدود مع أوكرانيا. تلت ذلك، اتهامات متتالية من الجانب الأوكراني بحشّد روسيا قوّاتها على الحدود، والإعداد لعمل عسكري ضدّ كييف، تساوقت مع حراك غربي لحلفاء أوكرانيا، وصل إلى حدّ رفع القوّات الأميركية الموجودة في أوروبا حالة التأهّب، مبرّرة ذلك بـ"تصعيد العدوان الروسي" في المنطقة.تحرّكت موسكو سريعاً لنفي هذه المزاعم، محاولةً طمأنة الدول الغربية، بما فيها واشنطن، إذ أكّدت على لسان الناطق باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، أن الجيش الروسي "يتحرّك في البلاد وفقاً لما يراه مناسباً، وتحرّكاته لا تمثّل تهديداً لأيّ طرف كان"، مضيفاً أن بلاده لا ترغب في المشاركة في الصراع الدائر في أوكرانيا، كما أن "موسكو وعواصم أوروبية أخرى لا ترغب في اشتعال الحرب مجدداً في منطقة دونباس شرق أوكرانيا". وشدّد على ضرورة بقاء القوات الروسية في حالة تأهب بسبب تصاعد النشاط العسكري لـ"الأطلسي" ودول أخرى على طول الحدود مع روسيا. وعلى الرغم من خطوة موسكو، إلّا أن التصريحات الآتية من الغرب، والمُشككة في النيّات الروسية، تُنذر بأن التوتر سيستمر في الأسابيع المقبلة. فأمس، وبعدما أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن هناك اتصالات على أعلى المستويات مع الولايات المتحدة في شأن أوكرانيا، خرج الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، قائلاً إن بلاده طلبت من روسيا توضيحات عمَّا وصفها بـ"الاستفزازات العسكرية" التي تقوم بها قرب الحدود الأوكرانية. وأضاف أن واشنطن بعثت برسالة ضمنية إلى موسكو، مفادها أنها "تقف إلى جانب شركائها الأوكرانيين"، وهو ما استدعى رداً فورياً من نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، الذي أعاد التأكيد أنه لا توجد أسباب للقلق في شأن ما يدّعي الأميركيون أن روسيا تقوم به ضدّ أوكرانيا، معتبراً أن على واشنطن القلق من تصرفات كييف المتمثّلة في عدم الالتزام بـ"اتفاقات مينسك".
يأمل الرئيس الأوكراني الحصول على دعم الدول الحلفاء في "الناتو" من أجل انضمام بلاده إلى الحلف


ولا تبدو الأمور مائلة نحو التهدئة في الضفة الأوكرانية، التي لا تنفّك تصعّد حديثها تجاه "العدوة" روسيا في كل فرصة، في موازاة عملها على الحصول على أكبر دعم غربي ممكن. تمثّل ذلك في عدة خطوات أوكرانية: أولاها كان الاتصال الذي أجراه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بنظيره الأميركي جو بايدن، داعياً إياه إلى "عدم ترك أوكرانيا وحيدة" في مواجهة ما سمَّاه "العدوان الروسي". تلاه إعراب زيلينسكي عن أمله في الحصول على دعم الدول الحلفاء في "الناتو" من أجل انضمام بلاده إلى الحلف، وتقديم خطّة عمليّة لذلك. وثانيتها، كانت حديث وزارة الدفاع الأوكرانية عن "بدء الحرب رسمياً"، بعد اتهام كييف القوات الروسية بقصف العديد من المواقع العسكرية الأوكرانية في منطقة دونباس، إذ أشارت إلى مقتل وجرح العديد من جنودها في الآونة الأخيرة، معلنة في الوقت ذاته إجراء مناورات مشتركة مع "الناتو" خلال أشهر، سيشارك فيها أكثر من ألف عسكري من خمس دول أعضاء على الأقل في الحلف. وشدّدت كييف على أنه "سيتم اتخاذ إجراءات دفاعية، يتبعها هجوم من أجل استعادة حدود الدولة وسلامة أراضي دولة تعرّضت للعدوان من قِبَل إحدى الدول المجاورة المعادية". ومن شأن هذه الخطوة أن تؤجّج التوترات مع موسكو التي أعربت عن معارضتها لمثل هذه التدريبات؛ إذ قال الكرملين، يوم الجمعة الماضي، إن "أيّ نشر لقوّات الناتو في أوكرانيا سيؤدّي إلى مزيد من التوترات بالقرب من حدود روسيا، ويجبر موسكو على اتّخاذ إجراءات إضافيّة لضمان أمنها". كذلك الأمر بالنسبة إلى تصريح وزير الخارجية الأوكراني، ديمتري كوليبا، الذي بدا كأنه يهدّد الروس حين اتهمهم بالتصعيد، مشدداً على أن بلاده "لا تبادل مقاربتها السلمية لحلّ النزاع بالطرق الدبلوماسية". وفي تصريحات تلفزيونية، أمس، أضاف كوليبا أن روسيا "تعمل بشكل مُمنهح للإخلال بالاستقرار الأمني من خلال عدم التزامها بمعاهدة وقف إطلاق النار، وتعزيز وجودها العسكري على الحدود الشرقية للبلاد". حديث كوليبا أتى في أعقاب اتصال هاتفي جمعه إلى وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، وبموجبه أُعلن مشاركة الوزير الأوكراني في اجتماع لوزراء خارجية الدول الأوروبية سيعقد في الـ19 من الشهر الحالي، ودعم الاتحاد غير المشروط لأوكرانيا في ما يخصّ سيادتها على أراضيها المعترف بها دولياً.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا