على رغم القمع المفرط الذي بلغ ذروته في "يوم القوات المسلّحة"، السبت الماضي، بسقوط ما يزيد على مئة قتيل (وفق تقديرات الأمم المتحدة)، تتواصل التظاهرات الرافضة للانقلاب العسكري في ميانمار، بعدما أطاح نظامَ حكمٍ مركّباً، يعطي هامشاً واسعاً للمؤسّسة العسكرية النافذة، وآخر لحكومة "ديموقراطية" منتخَبة برعايةٍ غربية. وفي هذا اليوم الذي تُحيا فيه ذكرى مقاومة الاحتلال الياباني للبلاد إبّان الحرب العالمية الثانية، يُنظَّم عادةً عرض عسكري يحضره مسؤولون أجانب ودبلوماسيون. إلّا أن المجلس الذي لم يتمكَّن من الحصول على اعتراف دولي منذ استيلائه على الحكم في 31 كانون الثاني/ يناير الماضي، أكّد أن ثمانية وفود دولية حضرت العرض، بينها وفدا الصين وروسيا. يؤشِّر ما سبق إلى انتقال ميانمار من حالة الرعاية الغربية، إلى كونها ساحةً للمنافَسة بين موسكو وبكين من جهة، ومن جهة أخرى واشنطن التي لم توفِّر بيان إدانةٍ إلّا وأذاعته على لسان رموز إدارتها، وصولاً إلى استخدامها سلاح العقوبات لاستعادة "الديموقراطية الضائعة" في هذا البلد. لكن ضرورات المنافسة لا تعطي، على أيّ حال، المجلس العسكري، شيكاً على بياض، لمواصلة القمع الدموي، وهو ما أكّدته بكين وموسكو؛ ومع تتالي الإدانات الدولية، دعت الصين، على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية تشاو ليجيان، كلّ الأطراف إلى ضبط النفس، معتبرةً أن "العنف والصدامات الدامية لا تلبّي مصالح أيّ طرف". وأعلن الكرملين، من جهته، أنه يعارض القمع الدموي للتظاهرات في ميانمار، مضيفاً أن روسيا تُطوّر علاقاتها مع ميانمار، لكنّها لم تتغاضَ عن العنف.
طلبت بريطانيا عقدَ اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي يوم غدٍ الأربعاء، لبحث الوضع في ميانمار

في هذه الأثناء، طلبت بريطانيا عقدَ اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي يوم غدٍ الأربعاء، لبحث الوضع في ميانمار. وجاءت الدعوة البريطانية على خلفية لجوء الجيش إلى القمع خلال التظاهرات الحاشدة التي نُظمَّت ضدّه في "يوم القوات المسلّحة"، ما أدّى، وفق تقديرات الأمم المتحدة، إلى سقوط 107 قتلى، فيما أفادت شبكة "مياوادي" التلفزيونية - التي يديرها الجيش - بسقوط 45 قتيلاً، مبرِّرة اللجوء إلى القمع بالقول إن المتظاهرين استخدموا الأسلحة النارية والقنابل ضدّ قوات الأمن، ليصبح مجموع الذين سقطوا منذ الانقلاب أكثر من 460 شخصاً، وفق إحصاءات منظّمات غير حكومية. وأعلنت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، أمس، فرض عقوبات جديدة على ميانمار، مع تعليق فوري لاتفاق تجاري إلى حين عودة حكومة "منتخَبة ديموقراطياً" إلى السلطة. وقالت ممثلة التجارة الأميركية، كاثرين تاي، في بيان، إنه جرى "تعليق كلّ ارتباط للولايات المتحدة مع ميانمار بموجب الاتفاق - الإطار لعام 2013 حول التجارة والاستثمار مع مفعول فوري"، مضيفة أن "هذا التعليق سيبقى سارياً إلى حين عودة حكومة منتخَبة ديموقراطياً". جاء ذلك بعدما دان الرئيس الأميركي، أول من أمس، القمع الدموي الذي وصفه بـ"المشين جدّاً"، قائلاً: "إنه أمر مروّع"، فيما ندَّدت السفارة الأميركية في ميانمار بقتل المدنيين، معتبرةً أن تصرُّفات قوات الأمن "تُعتبر جرائم قتل مدنيين عزَّل بينهم أطفال. هذه ليست تصرفات جيش أو شرطة محترفة". وعلى المنوال نفسه، جاء بيان الاتحاد الأوروبي الذي كرَّر وزير خارجيته، جوزيب بوريل، إدانته لـ"العنف الأعمى ضدّ شعب ميانمار"، حاضّاً القادة العسكريين على "التخلّي عن هذا المسار الجنوني. هذه المأساة يجب أن تنتهي"، ومؤكداً "(أننا) سنواصل استخدام آليات الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك العقوبات، لاستهداف مرتكبي أعمال العنف هذه والمسؤولين عن إعادة مسار الديموقراطية والسلام إلى الخلف" في هذه الدولة الآسيوية. وفي بيان مشترك، قالت مفوّضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، والمستشارة الخاصة للأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية أليس ويريمو نديريتو، إنه "يجب فوراً وقف الأعمال المخزية والجبانة والوحشية لعناصر الجيش والشرطة الذين صُوّروا وهم يطلقون النار على المتظاهرين أثناء فرارهم ولم يستثنوا حتى الأطفال الصغار"، فيما ندّد بيان مشترك غير معتاد لقادة هيئات أركان 12 دولة، بينها الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا واليابان، باستخدام الجيش البورمي القوّة ضد مدنيّين "عزَّل".
لكن هذه الإدانات لم تغيِّر في واقع الأمر شيئاً؛ فقد حذّر قائد الجيش في ميانمار، الجنرال مين أونغ هلاينغ، من أن أفعال "الإرهاب التي يمكن أن تضرّ باستقرار البلاد وأمنها" غير مقبولة، قائلاً إن "الديموقراطية التي نرغب فيها ستكون غير منضبطة إذا لم يحترموا القانون وإذا انتهكوه". وبرّر مجدّداً الانقلاب بالحديث عن عمليات تزوير شابت انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر التي فاز فيها حزب أونغ سان سو تشي، واعداً بإجراء انتخابات جديدة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا