تعيش حكومة الرئيس البوليفي، لويس آرسي، أولى أزماتها الداخلية، والتي برزت في أعقاب قرارها بدء محاسبة المشاركين في الانقلاب العسكري الذي أطاح الرئيس السابق إيفو موراليس في عام 2019، بدعمٍ من السفارة الأميركية في العاصمة لاباز. فبعد اعتقال «الرئيسة الانتقالية» السابقة، جانين آنيز، وثلاثة من وزراء حكومتها، بموجب مذكّرة توقيف صادرة عن القضاء البوليفي في حقّهم، بدأت المعارضة البوليفية تحرُّكات انطلقت في مدن عدّة الأسبوع الماضي لإبطال القرار، داعيةً أنصارها إلى التظاهر ضدّ الحكومة والمطالبة بالإفراج عن آنيز.تَحرُّك المعارضة قابَلته تظاهرات مضادّة من قِبَل المؤيدين للحكومة البوليفية، والذين خرجوا في اليومين الماضيين في مسيرات حاشدة في لاباز، ليطالبوا بـ»العدالة ضدّ انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها حكومة الأمر الواقع السابقة»، في استجابة منهم إلى النداء الذي أطلقه حلف «ميثاق الوحدة» (يشمل حزب «الحركة من أجل الاشتراكية» (MAS) الذي ينتمي إليه الرئيس البوليفي، واتحادات أخرى). ورفع المتظاهرون لافتات داعمة لخطوة المحاسبة التي بدأتها الحكومة، قالوا فيها إن اعتقال آنيز ووزراء في حكومتها يشكِّل»جزءاً من العدالة»، بالنظر إلى الجرائم التي ارتكبوها في حقّ السكان الأصليين الذين خرجوا في تظاهرات عمّت البلاد عقب الانقلاب، لكن قوات الأمن فتحت النار على هؤلاء في ولايتَي سينكاتا وساكابا، مخلّفةً عشرات القتلى، ومئات الجرحى، فضلاً عن آلاف الاعتقالات في صفوف المناصرين لحزب «الحركة من أجل الاشتراكية» الذي أسَّسه موراليس.
خلّفت هذه التظاهرات، والأخرى المضادة، جواً مشحوناً في بوليفيا. وفيما دأبت المعارضة على ترسيخ فكرة مفادها أن جانين آنير «ضحيّة اضطهاد سياسي» كما وصفت هذه الأخيرة نفسها، إلّا أن هذه الادعاءات سرعان ما قابلها ردُّ من الناطق باسم الرئاسة البوليفية، خورخي ريختر، الذي أرجع تمسُّك المعارضين بهذا الشعار إلى مساعي «الرئيسة الانتقالية» لـ»إفلات مدبِّري الانقلاب من العقاب»، معتبراً أن «التحقيق في أحداث العنف عام 2019 هو دَينٌ على الدولة تجاه الضحايا». وهو ما أكّده، أيضاً، آرسي الذي كان قد وعد، في حملته الانتخابية، بمحاسبة المتورّطين بالانقلاب، حين قال: «لا يمكن تجاهل الانقلاب، وأوّل مطلب للسلام هو العدالة».
ولا يبدو أن الأمور ستقف عند هذا الحدّ، إذ يُحتمل أن تشهد بوليفيا تعمُّق الانقسام السياسي في الأسابيع المقبلة، وذلك بالنظر إلى مؤشّرَين: الأول، أمر القضاء البوليفي بوضع آنيز رهن الحبس الاحتياطي لمدّة أربعة أشهر بعد التحقيق معها، وما تلا ذلك من تدهور حالتها الصحية جرّاء ارتفاع ضغط الدم الذي أصابها، والذي بموجبه تمّ نقلها إلى سجن آخر يضمّ تجهيزات طبية؛ والثاني يرتكز على مراهنة المعارضة البوليفية على الضغوط التي سيمارسها الغرب للإفراج عن آنيز. وعلى رغم التصريحات المقتضبة التي دانت الاعتقال، لا يبدو الغرب راضياً عن خطوة الحكومة البوليفية محاسبة الانقلاببين. عكَس ذلك تصريح نائبة الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، جالينا بورتر، الأسبوع الماضي، والتي أعربت عن قلق بلادها حيال اعتقال المُعارِضة.
يُتوقّع أن يتعمّق الانقسام السياسي في البلاد في الأسابيع المقبلة

وقالت في هذا السياق: «نتابع بقلق التطورات المحيطة باعتقال الحكومة البوليفية أخيراً لمسؤولين سابقين». والأمر نفسه انسحب على «منظّمة الدول الأميركية» التي دعت إلى «الإفراج عن جميع المعتقلين»، معتبرة، في بيان صادر عن أمينها العام لويس ألماغرو، أن «النظام القضائي البوليفي ليس في وضع يسمح له بتوفير الحدّ الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة»، في موقف استنكرته وزارة الخارجية المكسيكية، واصفةً بيان المنظّمة بأنه «تدخُّل في الشؤون الداخلية لبوليفيا». وعلى رغم المحاولات الغربية الحثيثة للتقليل من أهمية الجرائم التي ارتكبتها حكومة آنيز، إلّا أن تقريراً صدر عن مدير قسم الأميركيتين في مؤسّسة «هيومن رايتس ووتش»، خوسيه ميغيل فيفانكو، اعترف فيه بهذه الجرائم بالقول: «أثناء تولّيها الرئاسة، قُتل ما لا يقلّ عن 20 من أنصار الحركة من أجل الاشتراكية في مجزرتَين»، مضيفاً إن «شهوداً قالوا لنا إن قوّات الدولة فتحت النار على المتظاهرين».



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا