تَمضي واشنطن نحو مراجعة شاملة لاستراتيجيتها في أفغانستان، في ظلّ المصاعب الكثيرة التي تعترض طريق السلام؛ فما تمّ التوصُّل إليه من تفاهمات ضمن «اتفاق الدوحة»، يجابهه تدهور أمني يعكس التعقيدات التي تعترض الجهود الرامية إلى وقف دوّامة العنف في البلاد. ولمّا كان السؤال يدور حول الخطط المَنْويّ اتّباعها من قِبَل الإدارة الأميركية الجديدة لحلحلة الأزمة، بعد الانتهاء من مراجعة الاتفاق الذي وقّعته الإدارة السابقة، جاءت بعض الإجابات في رسالةٍ وجّهها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى كلّ من الرئيس الأفغاني أشرف غني، ورئيس «اللجنة العليا للمصالحة في أفغانستان» عبد الله عبد الله، يحضّهما فيها على إحياء محادثات السلام، مقترحاً انعقادها في تركيا، وقبول مشروع اتّفاق ينصّ خصوصاً على تأليف «حكومة جامعة» تشارك فيها حركة «طالبان». وعلى رغم وعدها بدراسة الأفكار المطروحة، سارعت حكومة كابول إلى رفض المقترح، كونه يقلُّص أمامها هوامش المناورة. وفي ظلّ تصميم الولايات المتحدة على دعم حلٍّ سياسي «عادل ودائم»، وترحيلها حسم مسألة انسحابها من عدمه إلى ما بعد وضع آليةٍ جديدة للحكم، انضمّت الدول المعنيّة بالملف الأفغاني، وعلى رأسها روسيا، إلى جهود دفع المصالحة الأفغانية قُدُماً. وفي إطار الاندفاعة الدبلوماسية، تبنّت موسكو المقترح الأميركي بتشكيل حكومة موقّتة تتمثَّل فيها حركة «طالبان»، وفق ما جاء على لسان الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا. ورأت هذه الأخيرة أن «تشكيل إدارة موقّتة جامعة سيكون حلّاً منطقياً لمشكلة ضمّ حركة طالبان إلى الحياة السياسية الأفغانية». وجاءت هذه التصريحات قبل أقلّ من أسبوع من انعقاد محادثات في العاصمة الروسيّة يشارك فيها طرفا الأزمة، بحضور عدّة وفود دوليّة، من بينها وفد أميركي، فيما يُنتظر مشاركة كلّ من الصين وباكستان فيها. وحول مؤتمر الـ18 من آذار/ مارس الذي تستضيفه موسكو، أوضحت زاخاروفا أن قطر ستكون ضيف شرف، وأن المحادثات تهدف إلى «تشجيع المفاوضات بين الأطراف الأفغانيين في الدوحة»، وخفض العنف وإنهاء النزاع المسلّح في أفغانستان، مؤكدةً أن الهدف من المؤتمر هو دعم محادثات السلام الجارية في الدوحة والتي لم تسفر عن أيّ تَقدُّم يُعتدُّ به. وسيحضر المؤتمرَ فريقٌ مكوّن من أربعة إلى خمسة أعضاء يمثّلون المكتب السياسي لـ«طالبان» في الدوحة، بحسب ما أفاد به مصدر قريب من الحركة وكالة «رويترز». ووُجِّهت دعوات إلى كلٍّ من الرئيس الأفغاني السابق حامد قرضاي، ونائبه كريم خليلي، وزعيم «الحزب الإسلامي» قلب الدي حكمتيار، فيما أعلن مكتبا أشرف غني وعبد الله عبد الله أن الأخيرَين يدرسان ما إذا كانا سيشاركان في المؤتمر.
تبنّت موسكو المقترح الأميركي بتشكيل حكومة أفغانية موقّتة تتمثَّل فيها حركة «طالبان»


وفي موازاة مؤتمر موسكو، تستضيف إسطنبول، في نيسان/ أبريل المقبل، محادثات سلام أفغانية، وفق ما أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الذي أوضح أن المسؤولين الأفغان و«طالبان» وأعضاء فريق التفاوض طلبوا من تركيا من قَبل أن تستضيف محادثات، وأن قرارها جاء بعد اقتراح أنتوني بلينكن. ولكنه أكّد أن محادثات اسطنبول «لن تكون بديلاً، إنما ستأتي دعماً» للعملية الجارية في الدوحة، حيث أطلقت مفاوضات سلام في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي. وقال: «ما هو هدفنا؟ هو تمديد المحادثات بين طالبان والحكومة (الأفغانية) والتركيز على تحقيق نتائج ملموسة»، مضيفاً أن تركيا تعتبر نفسها «أحد أهمّ الأطراف في قضية أفغانستان»، وأنها تعتزم تعيين مبعوث خاص إلى هذا البلد.
ويأتي المؤتمران في وقت حسّاس بالنسبة إلى حكومة كابول، إذ يواجه أشرف غني ضغوطاً بعد اقتراح المبعوث الأميركي الخاص، زلماي خليل زاد، الأسبوع الماضي تشكيل حكومة انتقالية، وهو ما رفضه الرئيس الأفغاني بشدّة، قائلاً إن الانتخابات وحدها هي التي يمكن أن تفرز حكومة. وفي الاتجاه نفسه، أشار نادر نادري، عضو الوفد التفاوضي الحكومي، إلى أن «الأفغان هم الوحيدون الذين يمكنهم تحديد نوع الحكومة ووسائل تحقيق السلام»، مشدّداً، لـ«فرانس برس»، على أن «جيراننا البعيدين والقريبين يجب أن يحترموا الحقّ السيادي لشعبنا». إلّا أن الرئيس السابق، حامد قرضاي، له موقف آخر؛ إذ أعلن، في مقابلة أجرتها معه وكالة «أسوشيتد برس»، دعمه للمسودة الأميركية لاتفاق السلام بين الحكومة و«طالبان»، معتبراً أن مقترح الولايات المتحدة «أفضل فرصة لتسريع المفاوضات» المتعثّرة، ومؤكّداً أن الأفغان أنفسهم «في عجلة من أمرهم من أجل (تحقيق) السلام»، بعد عقود من الصراع والحرب. ورأى أن «الخطة الأميركية المقترحة تحتوي على نصوص مهمّة يمكن أن تساعد في إحلال السلام في أفغانستان مع (إجراء) بعض التعديلات من قِبَل الجانبين»، معرباً عن أمله في أن «يكون الاقتراح الأميركي بمثابة حافز لِكِلَا الجانبين لتحقيق السلام، ربّما حتى قبل الأول من أيار/ مايو المقبل». لكن قرضاي حذّر من أنه «في حال انسحاب القوات الأميركية، مطلع أيار، فإن ذلك سيؤدي إلى حالة من الفوضى».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا