تدلّ الإشارات الآتية من البيت الأبيض، في شأن أولوية المواجهة مع الصين، على استكمال النهج المتشدّد الذي أرسته الإدارة السابقة. وبعد حوالى أسبوع من اعتبار وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بكين "أكبر اختبار جيوسياسي للقرن الحادي والعشرين"، أعلن الوزير نفسه أنه ومستشار الأمن القومي جايك سوليفان، سيجتمعان في 18 آذار/ مارس الجاري، مع نظيرَيهما الصينيَّين وانغ يي، وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي يانغ جيتشي، في ما يُعدُّ أوّل اجتماع رفيع المستوى بين مسؤولي البلدين في عهد إدارة جو بايدن، سيجري في ألاسكا، حيث سيتوقّف بلينكن في طريق عودته من رحلته الخارجية الأولى، والتي ستقوده إلى اليابان وكوريا الجنوبية. وفي حين أكّد الوزير الأميركي أنه يريد التركيز على الخلافات العميقة بين واشنطن وبكين، فإنه أوضح لاحقاً، خلال جلسة استماع برلمانية، أن هذا الاجتماع "مناسبة مهمّة بالنسبة إلينا لكي نبحث بطريقة صريحة جداً المواضيع العديدة التي تثير قلقاً في شأن أعمال بكين التي تشكِّل تهديداً لأمن وازدهار وقِيم أميركا وشركائنا وحلفائنا". كما أعلن أنه سيبحث "ما إذا كانت هناك فُرص تعاون"، مؤكداً في الوقت عينه، أن الحوار، بعد هذا اللقاء الأوّل، "سيكون رهناً باحتمال تحقيق تقدُّم ملموس" حول المسائل الخلافية.وبلينكن الذي اعترف بأن دونالد ترامب كان محقّاً في سياسته الصارمة تجاه الصين، كان قد أكّد أن الإدارة الجديدة "تريد تنسيق مواقفها مع حلفائها، وكذلك التعاون مع الصين حول تحدّيات تواجه العالم على غرار فيروس كورونا والمناخ". وهو أشار، الأسبوع الماضي، إلى أن "الصين هي الدولة الوحيدة ذات القوّة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية التي من شأنها أن تهدد جدياً المنظومة الدولية المستقرة والمفتوحة"، متعهداً بأن تكون العلاقات معها"مزيجاً بين التنافس عندما يكون صحيّاً، والتعاون عندما يكون ممكناً، والعداء عندما يكون ضرورياً". وعلى مبدأ مخاطبة الصينيين "من موقع قوّة"، يستبق بلينكن اجتماع ألاسكا بزيارة لحليفتَي بلاده، سيول وطوكيو، يرافقه وزير الدفاع لويد أوستن، الأسبوع المقبل، كجزء من جهود الإدارة الأميركية لإظهار التركيز على شرق آسيا، وتعزيز تحالفات الولايات المتحدة في مواجهة الصين. وستقام هذه الجولة في أعقاب قمة ستجمع الرئيس الأميركي، اليوم، إلى رؤساء وزراء كلٍّ من أوستراليا والهند واليابان، ستُعقد في إطار التحالف الرباعي "كواد".
أشار بلينكن إلى أن الحوار مع الصين سيكون رهناً بتحقيق تقدُّم ملموس خلال الاجتماع المرتقب


من جانبها، أكّدت وزارة الخارجية الصينية اللقاء، موضحةً أنه يُنظّم "بمبادرة من الولايات المتحدة". وفي ما بدا ترحيباً بالمبادرة، قال رئيس الوزراء الصيني، لي كه تشيانغ، إن البلدين "لديهما مصالح مشتركة والعديد من مجالات التعاون"، مضيفاً إنه "يتعيّن عليهما السعي إلى تطوير علاقاتهما في مناخ صحي". وأمل "أن تشهد العلاقات الثنائية تطوراً صحياً استناداً إلى احترام كل طرف لمصالح الآخر الأساسية، والتعاون الذي يحقّق الفائدة للطرفين، وعدم تدخُّل طرف في الشؤون الداخلية للآخر"، مشدداً على أن "من الممكن أن تكون هناك خلافات، لكن المهمّ هو كيفية التعامل معها... الشعب الصيني والأميركي يتّسمان بالحكمة والمَقدِرة، ويتعيّن على الجانبين فتح حوار والتواصل على أساس من الاحترام والمساواة".
وفي انتظار ما ستؤول إليه الاجتماعات المرتقبة، تواصل واشنطن سياسة الضغط على بكين. وتمثّل ذلك، بعبور سفينة حربية أميركية، أمس، مضيق تايوان، الأمر الذي لاقى استنكاراً صينياً. وبعد يومٍ من تحذير الأميرال الأميركي، فيليب ديفيدسون، خلال جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ الأميركي، من أن "الولايات المتحدة تخسر تفوّقها العسكري لمصلحة الصين التي قد تغزو تايوان في غضون ستّ سنوات"، قامت مدمرة الصواريخ الموجّهة "يو إس إس جون فين"، بعملية ترانزيت في المضيق الفاصل بين البر الصيني الرئيسي وتايوان، وفق بيان صدر عن الأسطول الأميركي السابع. وأضاف البيان إن "الرحلة كانت الثالثة من نوعها منذ تسلّم بايدن السلطة، وتظهر التزام الولايات المتحدة حيال حرية وانفتاح منطقة المحيط الهادئ ـــ الهندي". وتأتي عملية الترانزيت الأخيرة في اليوم نفسه الذي قالت فيه بكين إن ديفيدسون "بالغ عمداً" في تحذيره من احتمال غزو الجيش الصيني تايوان. واتهم الناطق باسم القوات الجوية الصينية، تشانغ تشونهوي، واشنطن بأنها "تقوم بالتصعيد من خلال التحدث علناً" عن مرور مدمّرتها عبر مضيق تايوان، معرباً عن معارضة بلاده الشديدة لعبور هذه السفينة التي "ترسل إشارة خاطئة وتتدخل وتتعمّد مفاقمة الوضع الإقليمي".



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا