يشي الحراك الدبلوماسي المتزايد، والهادف إلى خرق حالة الركود في الملفّ الأفغاني، باستعجال إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إيجادَ صيغةٍ تُرضي طرفَي الأزمة، حتّى يتسنّى لها تقييم مستقبل وجود قوّاتها في أفغانستان، قبل حلول الأوّل من أيار/ مايو، الموعد المحدَّد ضمن «اتفاق الدوحة» لانسحاب كامل القوات الأجنبية من هذا البلد. وتتزامَن التحرُّكات الأميركية مع أخرى تقودها الأمم المتحدة، التي وصلت مبعوثتها الخاصة إلى أفغانستان، ديبورا ليونز، إلى العاصمة القطرية، يوم أمس، للدفع بعملية السلام المتعثّرة قدُماً، ولتحديد إذا ما كان يتعيّن مواصلة المحادثات المُنعقدة في الدوحة أو تعليقها، في ظلّ حالة المراوحة القائمة. وانضمّت روسيا إلى جهود الحلّ، بإعلانها استضافة مؤتمر دولي في الـ18 من الشهر الجاري، يضمّ عدداً من الدول الإقليمية الفاعلة في الملفّ الأفغاني، إلى جانب ممثّلين عن الحكومة وحركة «طالبان»، من أجل بحث مستقبل السلام.هذا الزخم مردّه اقتراب الموعد النهائي الذي حدّده الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، لانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، فيما يأمل بايدن تجاوز هذه «العقبة» من طريق إعادة إطلاق عملية السلام بمبادرة جديدة تراعي أولويات إدارته التي لم تُقدِّم بعد خطّة للحلّ. وفي انتظار تَبلور رؤية واضحة، تسعى الولايات المتحدة للتوصّل إلى إجماع حول خيارات بديلة مع جميع الأطراف الأفغانيين واللاعبين الإقليميين. وفي هذا السياق، طرحت «أفكاراً» تهدف إلى تسريع المسار التفاوضي في أفغانستان، لـ»إيمانها» بأن العملية السياسية تبقى في جوهرها بأيدي الأفغانيين، بينما تضطلع هي بدور المسانِد من أجل التوصل إلى حلّ سياسي، بحسب ما جاء في تصريح للناطق باسم الخارجية، نيد برايس. تصريحٌ أعقب تسريب الرسالة التي بعث بها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، نهاية الأسبوع الماضي، إلى الرئيس الأفغاني أشرف غني، ويحضّه فيها على قبول مشروع اتّفاق سلام ينصّ على تأليف «حكومة جامعة جديدة» تشارك فيها حركة «طالبان»، بعد أن تتّفق مع كابول على وقف دائم لإطلاق النار، على أن تتولّى السلطة لفترة انتقالية يجري في خلالها وضع دستور جديد للبلاد تجري على أساسه انتخابات حرّة. ولتوصُّل الطرفين إلى هذا الاتفاق، اقترحت واشنطن إحياء محادثات السلام بينهما «في الأسابيع المقبلة» في تركيا، بالتزامن مع اتفاقهما على «فترة تهدئة» مدّتها 90 يوماً، بهدف تجنّب «هجوم الربيع» الذي تشنّه الحركة سنوياً. وأبلغ بلينكن، غني، أن جميع الخيارات لا تزال مطروحة على الطاولة، لكنّه حذّره، بلهجة مباشرة، من أنه في حال سحبت الولايات المتّحدة قوّاتها من هذا البلد، فإن «الوضع الأمني قد يتدهور»، وإن «طالبان» يمكن أن تحقّق «مكاسب ميدانية سريعة».
تستضيف موسكو في الـ18 من الشهر الجاري مؤتمراً دولياً لبحث مستقبل السلام في أفغانستان


ولا شكّ في أن المقترح الأميركي لحلّ القضية الأفغانية المتعلّق بحكومة جامعة، والذي أتى به المبعوث الأميركي إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، خلال زيارته الأخيرة لكابول، وأشير إليه في رسالة بلينكن، هو الأكثر جدّية الذي تطرحه الإدارة الأميركية، إلّا أن حكومة كابول، وعلى رغم إعلانها دراسة المقترح، لن ترضى بآليةٍ لا تراعي أولوية وجودها في السلطة. وهو ما أكّده غني في كلمة له أمام البرلمان، السبت الماضي، حيث قال إن أفغانستان «لها دستور، ووفق هذا الدستور يسلّم الرئيس الموجود الحكم لرئيس منتخب جديد»، مشيراً بذلك إلى أنه لا يمكن أن يترك زمام الأمور إلى حكومة انتقالية. ووجّه الرئيس الأفغاني اتهامات لباكستان، معتبراً أنه «لا بدّ أن تغيّر سياساتها القديمة، وأن تتعامل مع أفغانستان المستقلّة، دولة وشعباً، وعليها أن تناقش مع جارتها عملية المصالحة الحقيقية، وما يتطلّع إليه الشعب الأفغاني، فذلك ضرورة وفي صالح الجميع». من جهته، استنكر نائب الرئيس الأفغاني، أمر الله صالح، المقترحات الأميركية التي من شأنها أن تكون بمثابة نهاية للسلطات المنتخَبة لتأليف حكومة انتقالية. وقال إن «طالبان» يمكنها المشاركة في الانتخابات المقبلة إذا كان هناك اتفاق، لكن مستقبل البلاد لا يمكن أن يقرّره «20 شخصاً في غرفة واحدة... إن اعتمادنا على الخارج لا يعني أن علينا أن ننصاع لمطالب غير مشروعة»، فيما تؤكّد الحركة رفضها المشاركة في حكومة «وحدة وطنية»، لن تمانع، على أيّ حال، تأليفها.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا