تمضي إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، على خطى الإدارة السابقة في خطط إطاحة خطّ أنابيب الغاز، «السيل الشمالي 2»، بين روسيا وألمانيا، على رغم معارضة هذه الأخيرة التي تُبدي تمسُّكاً بالمشروع، وتُفضّل فصل المسارات لدى التعامل مع موسكو لما فيه مصلحتها. وتتأتّى عن معارَضة أميركا وبعض دول وسط أوروبا وشرقها، ضغوط كبيرة باتت تمارسها الأولى على حليفتها لتعليق العمل بخطّ الأنابيب الذي أُنجز بناؤه بنسبة تزيد على 95%. وفي ضوء المساعي الأميركية، لوحظ تزايد في عدد الشركات الأوروبية المنسحبة من المشروع خشيةَ فرض عقوبات عليها، فيما يحضّ منتقدوه على تحرُّك أقوى من قِبَل الولايات المتحدة. وفي تقرير طلبه الكونغرس، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، على لسان الناطق باسمها، نيد برايس، أسماء 18 شركة - غالبيتها غربية -، لن تُفرض عليها عقوبات، بعدما «بذلت جهوداً صادقة لإنهاء أنشطة متعلّقة» بـ«السيل الشمالي 2». وهو ما يُظهر، بحسب برايس، أن «أهداف المشرّعين وخطواتنا لها تأثير جيّد»، في إشارة إلى المعارضة من الحزبَين الجمهوري والديموقراطي للمشروع. أمّا بايدن، الذي يعتزم اتّباع نهجٍ مشدَّد إزاء روسيا، فيتمسّك بانتقاد المشروع، كونه يقوّي شوكة هذه الأخيرة، ويُضعِف نفوذ دولٍ حليفة مثل أوكرانيا. في الوقت ذاته، تعهّدت إدارته بانتهاج مسارٍ أكثر تعاوناً مع قوى أوروبية من بينها ألمانيا، تقول إن المشروع حيوي لإمداداتها من الطاقة. لذلك، فإنه «عندما يتعلّق الأمر بحلفائنا وشركائنا، من المنصف القول إنهم لن يفاجأوا بأيّ خطوة نتّخذها»، وفق برايس الذي أكد أن بلاده ستواصل «مراقبة الأنشطة التي من شأنها أن تؤدّي إلى تدابير عقابية إضافية من بينها فرض عقوبات، لكنني أعتقد أنه سيكون من الخطأ التفكير بالعقوبات كوسيلة وحيدة لدينا».
حذّر وزير الخارجية الألماني من أن تجميد المشروع يهدّد بمزيد من التقارب بين روسيا والصين

هذا التشدُّد الأميركي، يقابله قلقٌ يبديه خصوم روسيا في وسط أوروبا وشرقها، من أن لا تشتغل إدارة بايدن بشكلٍ جديّ على تطيير المشروع، خصوصاً أنها تريد الابتعاد عن استعداء المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أو فرض تكاليف جسيمة على الألمان. ومع اكتمال المشروع بنسبة تزيد على 95%، وقرب الانتهاء منه بحلول الصيف، تمّ نقل رسائل القلق هذه إلى الأميركيين بشكل خاص، فيما قال مصدر مقرّب من الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلنسكي، لموقع «أكسيوس» الأميركي، إن كييف تشعر «بخيبة أمل بعض الشيء، لأن بايدن لم يلتزم خلال مؤتمر ميونيخ للأمن باستخدام كلّ أداة في سلطته لوقف السيل الشمالي 2»، ولكنه اعتبر أن الأوان لم يَفُت بعد، لتتّخذ الولايات المتحدة إجراءً حاسماً. وجاءت هذه التعليقات في أعقاب بيان غير عادي صدر عن الحكومتَين البولندية والأوكرانية، إذ حذّر وزيرا خارجية البلدين، زبيغنيو راو ودميترو كوليبا، من أن روسيا «تقترب بشكل خطير» من إنجاز المشروع. وفي حال نجحت في ذلك، سيقتنع الأوكرانيون بأن الغرب لم يكترث لأمنهم، بحسب الوزيرين اللذين دَعَيا جو بايدن إلى «استخدام السُبل المتاحة له كافة للحؤول دون إنجازه». وفي هذا الإطار، أكّد الناطق باسم وزارة الخارجية أن الإدارة الأميركية «ملتزمة باستخدام جميع الأدوات المتاحة لمواجهة النفوذ الروسي الخبيث ودعم أهداف أمن الطاقة عبر الأطلسي». ويريد شركاء أميركا في أوروبا الشرقية والوسطى، من الرئيس الأميركي، الذي وصف المشروع بـ«الصفقة السيئة»، أن يوضح استعداده لفعل كلّ ما يلزم لمنع استكمال خطّ الأنابيب. وسيشمل ذلك معاقبة أسطول البناء بأكمله، والجهوزية لمعاقبة شركات المرافق الألمانية التي ستتلقّى الطاقة الروسية. بدورهم، اتّهم نواب الحزب الجمهوري، بايدن، بنكث تعهّداته بمزيج من التشدّد في ما يتعلّق بروسيا. وقال كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، السناتور جيم ريش: «هذا التقرير هدية للروس ولجهودهم المستمرّة في تقويض أمن الطاقة الأوروبية، وزعزعة أوكرانيا، وتسهيل الفساد والنفوذ الخبيث في أنحاء أوروبا».
على رغم المساعي الأميركية الحثيثة لتطيير المشروع، إلّا أن ألمانيا لا تزال متمسّكة بإتمامه، وهي أكّدت، حتى قبل انتخاب بايدن رئيساً، أن سياسة الطاقة الأوروبية تتشكَّل في أوروبا، لا في الولايات المتحدة، على خلفية ضغط العقوبات الأميركية المفروضة على الشركات المرتبطة بالمشروع بموجب قانون «كاتسا». وحذّر وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، أخيراً، من أن تجميد المشروع، الذي عُلّق العمل فيه طوال عام 2020 بفعل الإجراءات العقابية، «يهدّد بمزيد من التقارب بين روسيا والصين»، مُجدِّداً في كلمة ألقاها أمام المشرّعين الألمان، موقف حكومة برلين المعارض لتجميد «السيل الشمالي 2»، ومشدّداً على ضرورة أن تطال أيّ عقوبات جديدة ضدّ روسيا «أشخاصاً محدّدين». ودعا المتشكّكين إزاء خطّ الأنابيب إلى تقييم العواقب التي سيجلبها تجميد هذا المشروع بالنسبة إلى تأثير أوروبا على موسكو، مضيفاً: «يجب أن يكون جليّاً إلى ما سيؤدي ذلك من الناحية الجيوستراتيجية: إنه سيدفع روسيا والصين أقرب إلى بعضهما البعض»، منبّهاً إلى خطورة محاولات عزل موسكو وبكين، والتي تهدّد بظهور أكبر حلف عسكري بين البلدَين.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا