لندن | أثار الانتصار الجليّ الذي حقّقه مرشّح اليسار الاشتراكي، أندريس أراوز، في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة في الإكوادور التي جرت يوم السابع من الشهر الجاري، قلق واشنطن وحلفائها في المنطقة، والذين يخشون عودة تيّار الرئيس السابق، رافائيل كوريا، المعادي للهيمنة الأميركية، إلى السلطة. وفي هذا الإطار، اتّهم رئيس بوليفيا السابق، إيفو موراليس، الذي أُطيح في انقلاب رَعَته واشنطن نهاية عام 2019، هذه الأخيرة، بالتآمر مع اليمين الإكوادوري وحكومة كولومبيا الموالية للولايات المتحدة، و»منظّمة الدول الأميركية»، لمحاولة منع أراوز من خوض الجولة الثانية من الانتخابات، والمقرّر إجراؤها في الـ 11 نيسان/ أبريل المقبل. وحصَل أراوز، في الجولة الأولى، على 32.72% من أصوات الناخبين، متفوّقاً بـ 65% على أقرب منافسيه، لكنه لم يحصل على الحدّ الأدنى اللازم للظفر بالمنصب من الجولة الأولى (40% من الأصوات بفارق 10 نقاط عن الذي يليه)، الأمر الذي استدعى عقدَ جولة ثانية بين الفائزيَن بأعلى الأصوات، سيتنافس فيها أراوز (36 عاماً)، مع المصرفي اليميني السابق، غييرمو لاسو (65 عاماً)، وفق ما أفاد به «المجلس الوطني للانتخابات» ليل أول من أمس.موراليس، الذي تحدّث إلى الصحافيين تعليقاً على حملة تشهير تعتمد معلومات ملفّقة لربط اسم أراوز بميليشيات يسارية كولومبية مسلّحة على أمل استصدار حكم باستبعاده من السباق، دعا الإكوادوريين إلى اليقظة من المؤامرة التي تُحاك، ومن احتمال تكرار سيناريو انقلاب عام 2019 في بوليفيا. وكانت كولومبيا أوفدت، بعد أيّام قليلة من إعلان نتائج اقتراع الجولة الأولى في الإكوادور، المدّعي العام للدولة، فرانسيسكو باربوسا، إلى العاصمة كيتو، في محاولة يائسة لتشويه سمعة أراوز، عبر الترويج لأنباء انتشرت في صحف يمينية كولومبية في شأن تلقّي حملة المرشّح اليساري دعماً بقيمة 80 ألف دولار، قِيل إنها جاءت من زعيم محلّي لجماعة حرب العصابات الاشتراكية المعروفة بـ»جيش التحرير الوطني» (ELN)، التي تقاتل القوات الكولومبية. والتقى باربوسا، في الـ12 من الشهر الجاري، بنظيرته الإكوادورية، ديانا سالازار منديز، التي قال مكتبها لاحقاً إن «المدّعي العام الكولومبي قدّم لبلادها أدلّة على حدوث التحويلات في إطار التعاون المستمر بين الطرفين». وعزّز الإعلام المعادي لليسار في أميركا اللاتينية هذه الاتهامات بمقطعٍ مصوّر يَظهر فيه مقاتلون يساريون كولومبيون يعربون عن تأييدهم للمرشّح الاشتراكي الإكوادوري.
يفضّل معسكر اليسار أن يخوض مرشّحه المعركة ضدّ لاسو عديم الشعبيّة بين الفقراء والمتّهم بالفساد


لكن الادّعاءات الكولومبية بدت ساذجة، إذ تبيّن لاحقاً أن القائد المتّهم بإرسال الأموال لأراوز قُتل قبل عدّة أشهر، وحتّى قبل إعلان الأخير عزمه على خوض الانتخابات، فيما تأكّدت استحالة كون مقطع الفيديو قد التُقط في الأدغال الكولومبيّة، إذ ظهر فيه طائر نادر لا يوجد سوى في مناطق غرب الإكوادور، وأسلحة لا يستخدمها «جيش التحرير الوطني»، كما تضمّن عدّة أخطاء لغوية ونحوية تُظهر أجانب يتظاهرون بأنهم كولومبيّون، وهو ما ذهبت إليه حتى صحيفة «ذا غارديان» البريطانية. ومع ذلك، فقد انتشرت تلك التلفيقات كما النار في الهشيم عبر الإكوادور وعدة دول مجاورة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تشارك يمينيون نشر أخبار كاذبة تزعم أن أراوز استُبعد من المشاركة في الجولة الثانية بهدف إرباك الطبقة العاملة الإكوادورية التي تُشكّل القاعدة الانتخابية لليسار.
أراوز، من جهته، اتّهم حكومة الرئيس لينين مورينو بممارسة ضغوط ضدّه عبر نشر الأكاذيب والابتزاز، وتَعمُّد العمل مع الولايات المتحدة على إبعاده من الجولة المقبلة. وفي هذا السياق، عقد «المجلس الوطني للانتخابات»، الذي يسيطر عليه أتباع مورينو، اجتماعات مغلقة غير دستورية مع باقي المرشحين من دون دعوة الفائز بأعلى نسبة من الأصوات إلى حضورها. ويقول خبراء في الشؤون الإكوادورية إن تلك الاجتماعات تمحورت حول حثّ المرشَّحَين الثاني والثالث - غييرمو لاسو، وياكو بيريز - على التفاهم حول صيغة تضمَن فوز أحدهِما في جولة الانتخابات المقبلة، ومنع استرداد اليسار للسلطة. وكان الإعلان شبه النهائي لنتائج جولة 7 شباط أعطى أفضليّة لبيريز للفوز بالمركز الثاني، قبل أن يعلَن عن فوز لاسو بفارق ضئيل ( 19.74% في مقابل 19.36)، وهو ما تسبَّب في احتجاجات من قِبَل أنصار بيريز الذين طالبوا بإعادة فرز الأصوات تحت إشراف «منظّمة الدول الأميركية»، صاحبة الدور السيّئ في تغطية انقلابات أميركا اللاتينية. وعلى رغم إعلان انتقال المحافظ اليميني، غييرمو لاسو، إلى المنافسة في الجولة الثانية، يبدو أن الولايات المتحدة كانت تفضّل فوز بيريز بالمركز الثاني، إذ ترى فيه مرشّحاً على غرار باراك أوباما، نظراً إلى انحداره من أصول عرقيّة تعود إلى السكّان الأصليين للبلاد، بينما يفضّل معسكر اليسار أن يخوض مرشّحه المعركة ضدّ لاسو عديم الشعبية بين الفقراء والمتّهم بالفساد والحامل أجندة الأثرياء، فضلاً عن علاقته بالرئيس مورينو الذي تدنّت شعبيته إلى أقلّ من 8% قبيل إجراء الانتخابات الأخيرة، وتسبّبت في امتناعه عن خوضها.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا