تبدو الاحتجاجات الطالبية، المندلعة منذ نحو شهر في إسطنبول، مرشّحة لمزيد من التصاعد، وسط إصرار الرئاسة التركية على استخدام القبضة الحديدية في التعامل معها. واندلعت الاحتجاجات، بدايةً، في أعقاب تعيين الرئيس رجب طيب إردوغان، أحد الموالين لحزبه «العدالة والتنمية» وهو مليح بولو عميداً لجامعة البوسفور «بوغازيتشي» المرموقة في إسطنبول، والتي تُعتبر تاريخيّاً معقلاً للعلمانيّة.في مطلع العام الجاري، نشر إردوغان مرسوماً رئاسيّاً يقضي بتعيين مليح بولو عميداً للجامعة، في خطوةٍ فجّرت غضباً في أوساط طلّاب وأكاديميّي الجامعة الذين اعتبروها تدخّلاً في شؤونها، كونها المرّة الأولى، منذ عام 1980، التي يجري فيها اختيار رئيس للجامعة، من خارج هيئتها التعليمية. وبعد يومين من القرار، اندلعت مواجهات بين قوّات الأمن وطلاب الجامعة الذين عدّوا الخطوة «غير ديموقراطية». وشنّ إردوغان، أوّل من أمس، هجوماً هو من الأقوى له حتى الآن، على تحرّك يهدّد بالتصاعد، ليمثّل تحدّياً خطيراً لحكمه المستمرّ منذ 18 عاماً. وقال، في كلمة ألقاها عبر تقنية الفيديو أمام أنصار حزبه، «هل أنتم طلّاب أو إرهابيون يتجرّأون على اقتحام غرفة العميد؟»، مضيفاً أن «هذا البلد لن يكون مكاناً ينتشر فيه الإرهابيون. لن نسمح بهذا أبداً». من جهته، رأى حليفه رئيس حزب «الحركة القومية» دولت باهتشلي أن هناك نيّة لإطلاق أعمال شغب من جامعة «بوغازيتشي» تشبه احتجاجات عام 2013 التي تفجّرت رفضاً لمشروع تدمير متنزه في إسطنبول لتشييد مسجدٍ مكانه، قبل أن تمتدّ إلى أنحاء البلاد. واعتبر باهتشلي أن ما يجري «مؤامرة يجب سحقها»، مدافعاً عن قرار تعيين بولو بوصفه «شرعيّاً وصالحاً من الناحية القانونية». ولا يبدو عميد الجامعة، المستهدَف في التظاهرات، مستعدّاً للتنازل، إذ استبعد بشكل قاطع الرضوخ لمطالب المحتجين والاستقالة. وقال لصحيفة «خبرترك» اليومية: «لا أفكّر إطلاقاً بالاستقالة... توقّعت في بادئ الأمر أن تنتهي هذه الأزمة في غضون ستة أشهر، وسيحصل ذلك».
اندلعت مواجهات بين قوّات الأمن وطلاب الجامعة الذين عدّوا خطوة التعيين «غير ديموقراطية»


واتّخذت الأزمة بُعداً جديداً عندما قام محتجّون بتعليق صورة للكعبة قرب مكتب العميد، وُضع عليها علم قوس قزح وهو رمز مرتبط بمجتمع المثليين، الأسبوع الماضي. وكان إردوغان قد هاجم، الاثنين، أفراد هذا المجتمع، مؤكداً أن شباب حزبه ليسوا منهم، قبل أن يجدّد تلك الهجمات، أول من أمس، قائلاً: «مجتمع المثليين، ليس هناك شيء كهذا... هذا البلد يتحلّى بالأخلاق، وسيسير نحو المستقبل بهذه القيم». وهؤلاء لم يكونوا أساساً في قيادة التظاهرات ضدّ عميد الجامعة، لكن الفضيحة التي فجّرتها الصورة تسبّبت بتعرّضهم لهجمات سياسية متزايدة. وفي هذا الإطار، كتب وزير الداخلية التركي سليمان صويلو في تغريدة أنه جرى اعتقال «أربعة من المثليّين المنحرفين» لقيامهم «بالتحريض على الكراهية» على خلفية تعليق الصورة. وأعلنت وزارة الداخلية، يوم أمس، أن من بين الأشخاص الـ528 الذين اعتُقلوا لصلتهم بالتظاهرات، أُفرج عن 498 شخصاً، بينهم 108 تحت المراقبة القضائية، كما وُضع اثنان رهن التوقيف الاحترازي. وتمّ، أيضاً، اعتقال خمسة أشخاص آخرين صباح يوم أمس، فيما تبحث الشرطة عن ثلاثة مشتبه فيهم، وفقاً لمكتب حاكم إسطنبول.
وبدا أن تصريحات إردوغان تقوّض جهود فتح قنوات تواصل مع إدارة جو بايدن، إذ سارعت وزارة الخارجية الأميركية إلى إدانة «الخطاب» المناهض للأقليات المثليّة، وأعربت عن قلقها إزاء اعتقال طلاب ومتظاهرين آخرين. انتقاداتٌ رفضتها تركيا التي دعت وزارة خارجيتها في بيان الدول التي تدين أنقرة إلى «النظر في المرآة»، قائلةً إن «مشاهد الاستخدام المفرط للقوّة ضدّ المدنيين في العديد من البلدان التي تُعدّ ديموقراطيات متقدّمة، لا تزال ماثلة في الأذهان».