اليوم، سيلتزم دونالد ترامب، فعلياً، بوعده بـ«إخلاء البيت الأبيض»، على ما كان قد أعلنه، قبل فترة. إنه أول إثنين بعد ثاني أربعاء في شهر كانون الأول/ ديسمبر من عام انتخابات رئاسية، وبالتالي هو اليوم الذي يجتمع فيه أعضاء المجمع الانتخابي الـ538 ليصوّتوا نهائياً على انتخاب الرئيس ونائب الرئيس، أي ليخطوا الخطوة التي ستجعل انتصار جو بايدن رسمياً.تقليدياً، عادة ما يُنظر إلى هذا التصويت على أنه شكلي، من دون أن يوليه أحد اهتماماً يُذكر. ولكنه هذه السنة، يكتسب أهمّية خاصة، لوجود رئيسٍ ستنتهي ولايته قريباً مثل دونالد ترامب، يرفض الاعتراف بالهزيمة، ويسعى إلى شنّ المعارك القانونية، مروّجاً في الوقت ذاته لمزاعم بالاحتيال على نطاق واسع. وإن كان ذلك يعني شيئاً، فهو أن اجتماع أعضاء المجمع الانتخابي يأتي في لحظة متوتّرة وهشّة، بالنسبة إلى المؤسّسات الأميركية ككل، وإلى النظم الانتخابية بشكل خاص.
ترامب تلقّى الضربة تلو الأخرى، منذ بدئه بحملته الرافضة لنتائج الانتخابات. وفي ضوء غياب عناصر ملموسة تدعم اتّهاماته بحصول عمليات «تزوير واسعة النطاق» في الانتخابات، فإن غالبية الشكاوى التي قدّمها حلفاؤه في جميع أنحاء الولايات المتحدة - باستثناء واحدة - قد أُسقطت في المحاكم. ومن ثمّ وجّهت المحكمة العليا، الجمعة، ضربة جديدة له، برفضها النظر في طعن قدّمته سلطات ولاية تكساس يهدف إلى إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية في ولايات رئيسة أربع فاز بها جو بايدن، هي بنسلفانيا وجورجيا وميشيغن وويسكونسن، بحجّة أن السلطات المحلّية خرقت القوانين الانتخابية عبر توسيع إمكانية اللجوء إلى التصويت بالمراسلة. إلّا أن قضاة المحكمة العليا التسعة، وبينهم ثلاثة عيّنهم الرئيس الذي تنتهي ولايته في كانون الثاني/ يناير، اعتبروا في قرار مقتضب أن تكساس التي صوّتت لصالح ترامب في الاقتراع الرئاسي لا يحقّ لها التدخّل في طريقة إجراء الانتخابات في ولايات أخرى. قرارٌ ردّ عليه ترامب عبر موقع «تويتر»، قائلاً إن المحكمة العليا «خذلتنا»، متّهماً القضاة بأنهم «لم يتحلّوا بالحكمة ولا الشجاعة!». لكن ردّ الفعل الأعنف جاء من رئيس الحزب الجمهوري في تكساس، ألن ويست، الذي لم يتردّد في التفكير في انفصال هذه الولاية الجنوبية. وقال في بيان لحزبه: «ربما يتعيّن على الولايات الملتزمة بالقانون أن تتّحد وتشكّل اتحاداً للولايات التي تحترم الدستور».
ربّما أوجعت الضربات المتتالية ترامب، من دون أن تسقطه أرضاً، في انتظار الضربة القاضية التي سيسدّدها له المجمع الانتخابي، اليوم، بتصويته لجو بايدن رئيساً، بهامش 306 أصوات مقابل 232، وفق ما هو متوقَّع، إلّا إذا كانت هناك مفاجآت. ضربةٌ سيرضخ لها الرئيس ترامب، وفقاً لما كان قد أدلى به، في آخر تشرين الثاني / نوفمبر، عندما أكد أنه سيُخلي البيت الأبيض إذا خسر المجمع الانتخابي، من دون أن يغفل إضافة أنه في حال صوّت أعضاء المجمع الانتخابي لبايدن، فإنهم بذلك «يقترفون خطأً».
على أيّ حال، لن يغيّر تعقيب ترامب الواقع، كما لم تغيّر دعواته القضائية النتيجة. وبالتالي، فإن ما سيحصل هو أن كبار الناخبين سيجتمعون لتأكيد أصواتهم. ولكن السؤال الذي يُطرح، للمرة الأولى بشكل جدّي، هو: هل سيكون هناك ناخبون خائنون، أو ناخبون غير مؤمنين؟ وهل يمكن أن يغيّروا النتيجة؟ سؤال طُرح منذ اليوم الأول لانتخاب بايدن، بالتوازي مع الضغوط التي مارسها ترامب على المسؤولين الجمهوريين في الولايات، من أجل عدم التصديق على نتيجة التصويت الشعبي. ولكن بحسب ما يقول الأستاذ في القانون الدستوري في جامعة نيويورك، ريتشارد بلايدس، لشبكة «ان بي سي نيوز»: «لا يُتوقّع أيّ اختراق يُذكر عبر ناخبين غير مؤمنين هذه السنة، على اعتبار أن جو بايدن فاز بعدد كبير من الناخبين الكبار، ما يعني أن أيّ إغراء لناخبٍ أو اثنين بالانشقاق لن يكون موجوداً، لأنهم لن يؤثّروا في النتيجة». من جهة أخرى، «إذا قامت الأحزاب السياسية بواجبها عبر وضع قائمة من الناخبين الذين سيحترمون التصويت الشعبي لصالح مرشّحهم، عندها سيقوم الناخبون الكبار بالتصويت بما يتوافق مع هذا التصويت في ولايتهم».
من المتوقّع أن يصوّت 306 ناخبين لمصلحة بايدن و232 لمصلحة ترامب


ما تقدّم يبقى ضمن إطار الفرضيات الأقرب للواقع، من دون أن يلغي وجود احتمالات أخرى، ولو كانت ضئيلة. فوفق النظام الانتخابي، يمكن للناخبين الكبار في بعض الولايات أن يخالفوا تعهّدهم بالتصويت لمرشّح الحزب. ولكن هذا الأمر نادر الحدوث؛ فمنذ عام 1948، كان هناك 16 «ناخباً خائناً» فقط، من بينهم سبعة في عام 2016: خمسة منهم غيّروا تصويتهم من هيلاري كلينتون إلى دونالد ترامب، واثنان من ترامب إلى كلينتون. فضلاً عن ذلك، فبحسب الدستور الأميركي، هناك 33 ولاية، إضافة إلى العاصمة واشنطن، تجبر الناخبين الكبار على الامتثال لتعهّداتهم. وعلى الأقلّ في خمس ولايات، يواجه الناخبون الكبار عقوبات في حال قاموا بتحدّي قرار الحزب أو بالتصويت عكس التصويت الشعبي، بينما تقوم أكثر من اثنتي عشرة ولاية بإلغاء واستبدال الناخب المخالف. ومن المتوقع أن يتمّ إصدار المزيد من القوانين في السنوات المقبلة، من أجل إجبار الناخبين الكبار على اتّباع التصويت الشعبي، في وقت حكمت فيه المحكمة العليا، هذا العام، بالسماح بإلزام الناخبين بالتصويت لصالح الفائز في التصويت الشعبي.
قد يبدو من غير المحتمل أن يحدث ما يلفت النظر خلال تصويت المجمع الانتخابي اليوم، ولكن ذلك لا يعني أن هذا الحدث لن يكتسب أهمية من مجرّد التصديق على انتخاب بايدن رئيساً للولايات المتحدة، ووضع ترامب أمام الأمر الواقع، عبر تقريبه، أكثر من أيّ وقت مضى، من باب الخروج من البيت الأبيض.



جرحى في مواجهات بين أنصار ترامب وخصومه
أُصيب خمسة أشخاص بجروح، أحدهم بالرصاص فيما الآخرون بسلاح أبيض، في مواجهات أول من أمس بين متظاهرين مطالبين بولاية جديدة للرئيس دونالد ترامب، وآخرين مضادّين. وكان قد بدأ يوم السبت بتجمّع شارك فيه الآلاف من أنصار ترامب في ساحة «فريدوم بلازا» القريبة من البيت الأبيض، بعد تكبّد رئيسهم نكسة كبيرة أخيرة في المحكمة العليا. وكتب ترامب على موقع «تويتر»: «واو! آلاف الأشخاص يتجمّعون في واشنطن لوقف سرقة» الانتخابات، مضيفاً: «لم أكن على علم بهذا، لكنني سأذهب لرؤيتهم». وبعد ذلك بوقت قصير، أقلعت مروحية تحمل ترامب من باحة البيت الأبيض، وحلّقت فوق الحشد الذي كان يؤدّي النشيد الوطني، قبل أن يتوجّه الرئيس الذي ستنتهي ولايته قريباً إلى نيويورك لحضور مباراة كرة القدم السنوية بين الجيش والبحرية.
(أ ف ب)

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا