تظاهر آلاف الفرنسيين، أول من أمس، احتجاجاً على مشروع قانون "الأمن الشامل"، الذي تسعى الحكومة إلى إقراره، بهدف تجريم توزيع الصور التي يمكن أن تؤدّي إلى انتقاد أفراد الشرطة، بينما يخشى نشطاء من تقييده للحريات. وشهدت التظاهرات إطلاق قوّات الأمن القنابل المسيّلة للدموع على متظاهرين يحتجّون على عنف الشرطة في باريس، بعدما رشق ملثّمون رجال الشرطة بالحجارة والألعاب النارية، وأقاموا حواجز على الطرق. وأضرم متظاهرون النار في بعض الممتلكات العامّة في شوارع باريس، فيما اشتبكوا مع الشرطة أثناء محاولة الأخيرة منع وصولهم إلى بعض الشوارع. وجُرح أكثر من ستين شرطياً ودركياً، فيما اعتُقل 81 شخصاً خلال التظاهرات، وفق وزارة الداخلية الفرنسية، التي أفادت، أمس، بأنه تمّ تسجيل 62 إصابة في صفوف الشرطة (39 في المناطق و23 في باريس). ووفقاً للوزارة، تظاهر 133 ألف شخص، بينهم 46 ألفاً في باريس، فيما أعلن المنظّمون من جانبهم مشاركة 500 ألف شخص، بينهم 200 ألف في العاصمة. وطالب المحتجّون بحرية الصحافة، بعدما اعتدت الشرطة على رجل أسود، وهو منتج موسيقي، بالضرب، ما أذكى موجة غضب على مشروع القانون، الذي يُعتقد بأنه يقيّد حرية الصحافيين، في الكشف عن وحشية الشرطة.
وتريد حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون استخدام قانون "الأمن الشامل" لتجريم توزيع الصور أو اللقطات التي يمكن أن تؤدّي إلى انتقاداتٍ لضباط الشرطة وأفراد الأمن، فيما تخشى جمعيات فرض قيود كبيرة على حرية الصحافة والتعبير. وينصّ مشروع القانون على عقوبة بالسجن سنة، ودفع غرامة قدرها 45 ألف يورو لكلّ من يبثّ صوراً لعناصر من الشرطة والدرك بدافع "سوء النية". وتدافع الحكومة بأن هذه المادة تهدف إلى حماية العناصر الذين يتعرّضون لحملات كراهية ودعوات إلى القتل على شبكات التواصل الاجتماعي، مع كشف تفاصيل من حياتهم الخاصة. بيد أن اعتداء الشرطة على رجل من أصول أفريقية، وانتشار ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، أجّجا رفض المواطنين لهذا القانون.
ينصّ مشروع القانون على عقوبة بالسجن سنة ودفع غرامة 45 ألف يورو


وفي صلب الاحتجاجات التي تصاعدت إلى أن أثارت أزمة سياسية، ثلاثة بنود من مشروع "قانون الأمن الشامل" الذي تلقّى الضوء الأخضر من الجمعية الوطنية، الأسبوع الماضي، وهي تتعلّق بنشر صور ومقاطع فيديو لعناصر الشرطة أثناء أداء عملهم، واستخدام قوات الأمن للطائرات المسيّرة ولكاميرات المراقبة. ورأت اللجنة التنسيقية الداعية إلى التجمّعات المناهضة للقانون أن "مشروع القانون هذا يهدف إلى النيل من حرية الصحافة وحرية الإعلام والاستعلام وحرية التعبير، أي باختصار الحريات العامة الأساسية في جمهوريتنا". ويعتقد معارضو النص أن الكثير من قضايا العنف التي ارتكبتها الشرطة لما كانت لتُكشف لو لم تلتقطها عدسات صحافيين وهواتف مواطنين. ويطالب المحتجّون بـ"سحب المواد 21 و22 و24 من اقتراح قانون الأمن الشامل، وسحب الخطة الوطنية الجديدة لحفظ النظام" التي أُعلنت في أيلول/ سبتمبر، والتي ترغم الصحافيين خلال التظاهرات على التفرّق حين تصدر قوات الأمن أمراً بذلك، ما يمنعهم من تغطية الأحداث خلال هذه التجمّعات التي تخلّلتها اضطرابات في السنوات الأخيرة.
ويأتي كلّ ذلك بعدما احتدم الجدل، هذا الأسبوع، مع كشف قضيّتين تتعلّقان بعنف الشرطة، محوّلاً مرحلة سياسية صعبة على الحكومة إلى أزمة حقيقية. إذ قامت الشرطة، الاثنين، بتدخّل عنيف لتفكيك مخيّم للمهاجرين أقيم في ساحة في وسط باريس، وهاجمت كذلك صحافيين أمام عدسات الكاميرات والهواتف الذكية، وهو ما أثار احتجاجات المواطنين. ثمّ بلغ الاستنكار الشعبي ذروته، الخميس، عند نشر صور كاميرات مراقبة تظهر ثلاثة عناصر من الشرطة يعتدون بالضرب المبرح على منتج موسيقى أسود. وندّدت الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي وبعض كبار وجوه الرياضة بعنف الشرطة. ولن تنتهي ارتدادات هذا الحدث قريباً، إذ من المتوقع أن ينزل إلى الشارع، ناشطو حركة "السترات الصفر"، التي هزّت فرنسا في 2018 و2019، واتسمت تظاهراتها أحياناً بالعنف.
من جهته، سعى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى التخفيف من حدّة النقمة على الشرطة عبر إدانته هذا "الاعتداء غير المقبول" و"الصور المخزية"، داعياً الحكومة إلى "أن تقدّم له سريعاً مقترحات" من أجل "مكافحة جميع أشكال التمييز بفعالية أكبر". وكان ماكرون قد طلب، الخميس، من وزير الداخلية، جيرالد دارمانان، الذي يعدّ شخصية محورية في حكومته، فرض عقوبات واضحة للغاية على العناصر الضالعين في ضرب ميشال زيلكر.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا