على رغم النفي الصادر عن إيران، والذي وصل إلى حدّ وصف الحادث بـ«المختلَق»، واصلت إسرائيل مراكمة تعليقاتها الهادفة، في أعقاب نشر تقرير في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية جاء فيه أن الموساد الإسرائيلي اغتال في طهران عبد الله أحمد عبد الله، أحد أبرز مسؤولي تنظيم «القاعدة». تعليقاتٌ تثير، شكلاً ومضموناً، جملة أسئلة مرتبطة بتوقيتها والتقرير الذي أثارها، في فترة يترقب فيه الإقليم والعالم ما يمكن أن تُقدِم عليه الإدارة الأميركية الحالية قبل العشرين من كانون الثاني/ يناير المقبل، موعد تسلّم الإدارة الجديدة السلطة في واشنطن.واللافت في تقرير الصحيفة الأميركية هو مستوى «الأكشن» الذي يتّسم به. إذ يَرِد فيه أن المسؤول في «القاعدة» الذي اغتاله الموساد، وهو أبو محمد المصري (عبدالله أحمد عبدالله)، كان موجوداً في إيران منذ عام 2003 بعلم من السلطات الإيرانية، وأنه يقيم في الأحياء الراقية في طهران، وأنه المسؤول، أو المتّهم، عن هجمات «القاعدة» التي استهدفت سفارتَي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998، والتي سقط بنتيجتها 224 قتيلاً. يَرِد في التقرير، أيضاً، أن تنفيذ الموساد عملية اغتيال المصري كان في السابع من آب/ أغسطس الماضي، أي في اليوم نفسه الذي نَفّذ فيه التنظيم هجماته على السفارتين الأميركيتين المذكورتين قبل 22 عاماً، في إشارة إلى مستوى إحاطة الاستخبارات الإسرائيلية وسيطرتها، إلى الحدّ الذي يُمكّنها من تنفيذ عمليات اغتيال في تواريخ تُحدّدها هي، لا الظرف الميداني وفرصه.
اللافت، كذلك، هو الحديث عن تعاون وتآزر بين عدوّين: إيران و«القاعدة»، إلى مستوى باتت فيه طهران ملجأ آمناً لمسؤولي التنظيم، على رغم أن الأخير هو واحد من التنظيمات الإرهابية، وربّما أبرزها، الذي يعلن عداءه لإيران ومحور المقاومة عامة. وهذا الإيحاء جزء لا يتجزّأ من مقاربة قديمة جديدة، تتساوق مع محاولات تبييض صفحة بيئة التنظيم، أي البيئة السعودية التي وَلّدته، والعمل على إلباس إيران، الدولة التي ترى في «القاعدة» واحداً من أهمّ أعدائها، لباس التعاون والتضامن معه، بل وأيضاً التحالف.
ما يجدر التنبيه إليه، هنا، هو أن مواكبة ما صدر عن إسرائيل في هذا الشأن يُهيّئ لفهم مقاصد الكشف الأخير، واستشراف الخطوات المقبلة من بعده، والتي قد تكون هي ذاتها سبباً للإعلان، الذي يبدو، بحسب المعطى وظرفه الزمني، إسرائيلياً بامتياز؛ إذ إن واحداً من الأسئلة التي لا تجد إجابات، على رغم أهمّيتها، يتعلّق بسبب امتناع الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، نفسه، عن إعلان الاغتيال قبل موعد الانتخابات الرئاسية والاستفادة منه، وهو الذي لا يدع حدثاً، صحيحاً كان أم كاذباً، من دون أن يستغلّه انتخابياً، في محاولة لتسويق صورته واقتداره واختلافه عَمّن سبقه في المنصب. وهذه المفارقة تثير كثيراً من علامات الاستفهام حول ما إذا كان الكشف عن اغتيال المصري مقدّمة لمسار أو خطوات مماثلة لن تكون بالضرورة ضدّ «القاعدة» ومثيلاته، أو جزءاً من حركة استباقية ضدّ أيّ «تليين» في مقاربة الإدارة الأميركية المقبلة لملفّ إيران.
وفقاً للإعلام العبري، الذي أسهب في تعليقاته على النقيض من شبه الصمت الرسمي، فإن توقيت نشر التقارير حول مقتل المصري يُعدّ بمثابة رسالة في زمن تغيير الإدارة في واشنطن، في شأن تجذّر العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وسبب كون الأخيرة حليفاً لا غنى عنه للأولى. بحسب «معاريف»، فإن العلاقة بين الطرفين ليست مجرّد علاقة دعم من طرف واحد، بل دعم في الاتجاهين، بالنظر إلى أن إسرائيل تُمثّل قدرة أميركية رئيسة في المنطقة. بدورها، رأت «جيروزاليم بوست» أن توقيت النشر قد يساعد في تحسين العلاقات بين الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، وإسرائيل، مع الخشية من تردّيها قياساً بما كانت عليه في زمن الإدارة الحالية، إذ إن «الاغتيال قد يجعل إدارة بايدن أقلّ ميلاً للتساهل مع إيران». أمّا صحيفة «يديعوت أحرونوت» فتحدثت عن سلّة أهداف إسرائيلية جرّاء عملية الاغتيال، معتبرة أن «الولايات المتحدة وإسرائيل معنيّتان بالكشف عن العملية؛ كون الكشف نفسه من شأنه ردع كبار الإرهابيين الآخرين. ومن ناحية أخرى، لإسرائيل مصلحة في تقويض الثقة بالنفس لدى الإيرانيين، من خلال إثبات أن الاستخبارات تخرق الجمهورية الإسلامية، سواء من الاستخبارات العسكرية أمان والموساد. وتقويض الثقة مهمّ لإسرائيل، خاصة أن إيران تعمل من جديد على تسريع برنامجها النووي». ورأت «القناة الـ12» العبرية، من جانبها، أن المسألة تتعلّق بتعقّب (للمصري) بشكل ملاصق لأكثر من سنة، و«عملية الاغتيال كانت نظيفة ونُفّذت من دون أخطاء، فأبو محمد المصري بدأ في التخطيط أخيراً لتنفيذ هجمات ضدّ إسرائيليين وأهداف يهودية في العالم، وبذلك تقاطعت المصالح الإسرائيلية والأميركية»، من دون أن تشير القناة إلى ما إذا كان تخطيط المصري لاستهداف إسرائيليين جاء قبل قرار اغتياله أو بعد.
من جهته، اعتبر السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة، مايكل أورين، أن تقرير «نيويورك تايمز» يثير أسئلة مهمّة عن دور إيران في استضافة الإرهابيين العالميين، قائلاً: «لا أحد يسأل لماذا تستضيف إيران قادة تنظيم القاعدة؟ الأمر الذي يثير أيضاً سؤالاً حول السبب الذي يدفع الولايات المتحدة لتجديد الاتفاق النووي مع إيران، والذي يتيح (للإيرانيين) عشرات المليارات من الدولارات، وهم يُؤوون قتلة 3000 أميركي»، في إشارة منه إلى هجمات 11 أيلول 2001.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا