القاهرة | لم يكن أكثر المتشائمين في النظام المصري يتوقّع فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية؛ إذ إن جميع التقارير الواصلة إليهم توقّعت بقاء دونالد ترامب لولاية ثانية، بما يتيح للنظام أن يستكمل خطواته، داخلياً وخارجياً، من دون اعتراض أميركي، بل وبمباركة لانتهاكات حقوق الإنسان بحقّ المعارضة كما في السنوات الأربع الماضية. ولكن، لم تكد تظهر مؤشرات إلى إمكان انقلاب الصورة في الولايات المتحدة، حتى جرى التنسيق سريعاً مع «الدول الحليفة» لاحتواء التداعيات.تكشف مصادر قريبة من الرئاسة أنه في المكالمة الأخيرة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ووليّ عهد أبو ظبي محمد بن زايد، جرت مناقشة التفاصيل الكاملة لآلية التعامل مع بايدن في حال فوزه. يدرك السيسي أنه لا يمتلك ما يمكن تقديمه إلى إدارة أميركية جديدة، فيما حكّام الخليج، وتحديداً الإمارات والسعودية، لديهم مجال واسع للمناورة، بل وتقديم مزيد من التنازلات في غير ملفّ، قد لا تكون حرب اليمن مستبعدةً من بينها.
وفيما يظهر أن جزءاً من مخاوف المصريين مرتبط بكيفية التعامل مع الإسلاميين خلال عهد بايدن، ولا سيما أن للأخير تصريحات عدائية سابقة بحق النظام، وتحديداً رئيسه السيسي، ينوي الأخير إجراء مكالمة تهنئة فور إعلان النتيجة رسمياً، بل تقضي «خطة الطوارئ» زيارة وفد رفيع المستوى إلى واشنطن لبحث الترتيبات مع الإدارة الجديدة خلال التسليم والتسلّم. كذلك، لدى الدولة تخوّف من عقوبات محتملة في حال تَمسّكت بمواقفها في رفض التعاون مع الإسلاميين، وما يمكن أن يتبعه من توتّر في العلاقات مع الأميركيين، خاصة أن عند بايدن وفريقه نظرة مختلفة إلى التعامل مع تيّارات الاسلام السياسي عامة، وجماعة «الإخوان المسلمون» المصنّفة إرهابية بقرارات حكومية وقضائية في مصر، خاصة.
جزء من مخاوف النظام مرتبط بكيفية التعامل مع الإسلاميين


سريعاً، توالت الأفكار داخل أروقة الأجهزة السيادية، حتى وصلت إلى نقاش التنازلات التي سيكون على المصريين تقديمها. وفق المصادر، خَلصت الأجهزة إلى أنه ليس لدى القاهرة ما يمكن تقديمه حتى الآن من تنازلات، باستثناء الموافقة على شراء السلاح من مصانع أميركية، بموجب الاتفاقية التي تمّ إنجاز بعض تفاصيلها مع إدارة ترامب. أمّا في أزمة «سدّ النهضة»، فتتوقّع السلطات المصرية أن يحجم بايدن عن اتخاذ مواقف مماثلة لتلك التي تبنّاها ترامب، ما سيجعل إثيوبيا قادرة على الاستمرار في بناء السدّ، من دون التوقيع على اتفاقات ملزمة في شأن تشغيله. كما يمكن أن تفقد القاهرة دعماً كبيراً لدورها في أفريقيا، كانت قد حظيت به في السنوات الأخيرة بدعم أميركي خاص واستثنائي ربّما لم تنله منذ سنوات.
أيضاً، ثمة مخاوف أخرى مرتبطة بالموقف الأميركي من ملفّات عربية تجد مصر نفسها شريكة فيها، وعلى رأسها الملفّان السوري والليبي والوضع في السودان، فضلاً عن قطار التطبيع الذي ربّما سيتوقف مع غياب العوامل المحفّزة التي قَدّمها ترامب، وهو ما قد يعرقل التطبيع السوداني - الإسرائيلي ويضطر القاهرة إلى تخفيف الضغط على السلطة الفلسطينية، بعدما كان قد وصل ذروته في الأشهر الماضية. إذاً، هي صورة ضبابية وحسابات معقدة للتعامل مع بايدن في سنوات أربع - على الأقلّ -، يرى أعمدة النظام أنها غير سهلة إطلاقاً، ولا سيما في آلية إدارة العلاقات الخارجية. وكان لافتاً صدور توجيهات إلى الإعلام المصري، الذي تأخّر في إبراز تقدّم بايدن، بأن يتحدث عن المصالح الاستراتيجية في العلاقات المصرية - الأميركية عموماً، وأنها لا ترتبط بشخص الرئيس.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا