ولَّد الانقسام غير المسبوق الذي رافق رئاسة دونالد ترامب الأولى، ومعها دورة الانتخابات الحالية في الولايات المتحدة، مظاهرَ لم تألفها «أمّ الديموقراطيات» في ما مضى. مظاهرُ تجلّت، على مدى الأيام الفائتة، في خروج مواكب سيّارة ضخمة لمناصري ترامب، وافتعال هؤلاء مواجهات مع خصوم لهم، ترافقت مع تهديدات متبادلة برفض نتيجة الانتخابات، وصلت أحياناً إلى حدّ التحذير مِن إطاحة (مَن)؟ يحدث ذلك في موازاة تحذيرات ما فتئت تتصاعد من جرّ البلاد إلى عنفٍ غير محسوب التبعات، ووسط موجةٍ عاصفة من وباءٍ فاقمت تداعياته حدّة الانقسام. ليست هذه، طبعاً، مجرّد «حوادث عابرة» في سياق تنافسي بين حملتين بدتا أشبه بقيادة فتوحات في بعض الولايات الحاسمة التي يحاول كلّ من ترامب و(جو) بايدن انتزاع أصوات هيئتها الناخبة، لتأمين دخولٍ «سهل» إلى البيت الأبيض.في انتخابات غير عادية كتلك التي اختُتمت في أميركا يوم أمس، بدت كلّ المظاهر استثنائية؛ قوافلُ طويلة من السيارات والشاحنات والدراجات النارية تَرفع أعلاماً مؤيدة لترامب، باتت تمثّل قلقاً بالنسبة إلى المراقبين. إحدى هذه القوافل، المعروفة باسم «قطارات ترامب»، افتعلت، نهاية الأسبوع الماضي، مواجهة على طريق سريع قرب مدينة أوستن في ولاية تكساس، عندما حاصرت حافلةً تابعة لحملة بايدن. وواصلت «القطارات» فعالياتها أمس في المدن الأميركية، في ظلّ خشية خبراء أمن الانتخابات خرقَ القوانين أو افتعال مواجهات عنيفة.
في هذه الأثناء، حرص بعض المتاجر في مدن أميركية رئيسة على تغطية نوافذه بألواح خشبية، كإجراء احترازي تحسّباً لأعمال تخريب ذات دوافع سياسية، وهو مشهد استثنائي في يوم الانتخابات الأميركية، حيث تُجرى عملية الاقتراع في أجواء سلمية عادةً. وفي مدينة نيويورك، كان متجر «ميسيز» الضخم وناطحة السحاب التي يقع فيها مقرّ قناة «فوكس نيوز» من بين المباني التي غطّت نوافذها. وفي شارع روديو درايف، أحد أرقى شوارع التسوّق في منطقة بيفرلي هيلز في ولاية كاليفورنيا، أزال الباعة المجوهرات من نوافذ العرض في متجرَي «تيفاني آند كو» و»فان كليف آند آربلز». وأعلنت شرطة العاصمة إغلاق شوارع في منطقة واسعة جداً في محيط البيت الأبيض يومَي الثالث و الرابع من الشهر الجاري (أمس واليوم)، مخافةَ «نشر الفوضى والإرباك»، وفق ما صرّح به رئيس بلدية واشنطن، مورييل بوسر، موضحاً أنه «ليس لدينا معلومات محدّدة حول هذا الموضوع، لكنّنا جاهزون لضمان أمن المدينة».
فرع «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية» في جورجيا نشر، من جهته، حوالى 300 محام في نحو 50 «نقطة ساخنة» محتملة على مستوى الولاية لرصد أيّ مشاكل في عملية التصويت. كما أرسل قسم الحريات المدنية في وزارة العدل الأميركية أفراداً من العاملين فيه إلى 18 ولاية، منها بعض المقاطعات المتأرجحة، خشية أيّ ترويع أو قمع للناخبين. أمّا في بورتلاند/ أوريغون، فحذّر «مكتب التحقيقات الفدرالي» من احتمال اندلاع مواجهات مسلّحة على صلة بالانتخابات الأميركية، في وقتٍ تستعدّ فيه المدينة الواقعة في شمال غرب البلاد، والتي تحوّلت إلى رمز للانقسامات العميقة التي تشهدها الولايات المتحدة، لاضطرابات محتملة. ووضعت الأعمال التجارية في وسط المدينة ألواحاً خشبية على نوافذها، في ظلّ توقعات باندلاع احتجاجات، سواء فاز ترامب أم بايدن، أو حتى إذا كان الوضع غامضاً من جرّاء التأخُّر المتوقّع في فرز الأصوات في أنحاء البلاد، نظراً إلى ارتفاع عدد الأصوات التي تمّ الإدلاء بها عن طريق البريد. في الأثناء، أصدرت حاكمة الولاية، كيت براون، أمراً تنفيذياً يُسلِّم إدارة أمن بورتلاند إلى قوّات الولاية، ووضعت الحرس الوطني في حالة تأهّب، محذّرةً من أن «هذه انتخابات ليست كغيرها في حياتنا». تحذيرات براون مِن المؤمنين بتفوّق العرق الأبيض أثارت غضب محافظين محليّين، بمَن فيهم مقدّم البرامج الإذاعية، لارس لارسون، الذي اتّهمها بالتزام «الصمت المطبق» حيال «عنف أنتيفا وحركة حياة السود مهمّة» على مدى خمسة أشهر من الاحتجاجات. في هذا الوقت، تستعدّ مجموعة «الاشتراكيين الديموقراطيين في الولايات المتحدة»، فرع بورتلاند، للتصدّي لـ»عنف الشوارع الذي قد يثيره يمينيون للتعبير عن غضبهم حيال عدم فوز مرشّحهم»، وفق الرئيسة المشاركة للمجموعة، أوليفيا كاتبي سميث، التي قالت: «مهمّتنا هي الخروج لمواجهتهم». وفي حال جرّب الرئيس الحالي إعلان فوزه بشكلٍ غير مشروع، «سنمضي قُدماً بمطالب محدّدة تتعلّق بالديموقراطية»، بما في ذلك إطاحة ترامب أو إجراء انتخابات جديدة!

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا