على مسافة أيام قليلة من موعد الاستحقاق الرئاسي، حقّق الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، انتصاراً كبيراً في المحكمة العليا، سيستمرّ مِن بعده فيما لو غادر منصبه الأسبوع المقبل. انتصارٌ منحته إيّاه مصادقة مجلس الشيوخ، ذي الغالبية الجمهورية، على تعيين مرشّحة الرئيس الثالثة لعضوية المحكمة، آيمي كوني باريت، وتالياً تكريس هيمنة اليمين على أعلى هيئة قضائية في الولايات المتحدة. وتمّ تعيين باريت بغالبية 52 صوتاً جمهورياً، بعدما كانت الإجراءات تقتضي ــــ سابقاً ــــ حصول قضاة المحكمة العليا على 60 صوتاً لتثبيت تعيينهم، وذلك لإجبار المرشّحين على كسب تأييد الحزبين. غير أن زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، عدّل هذه التدابير في عام 2017، وسمح بتعيين القضاة بغالبية بسيطة، لتثبيت مرشّحَي ترامب السابقين، القاضيَين نيل غورسوتش وبريت كافانو. أصبحت باريت ثالث عضو يُعيّنه ترامب في المحكمة العليا، حيث بات المحافظون يتمتّعون بغالبية الضعف (ستة قضاة محافظين مقابل ثلاثة ليبراليين)، علماً بأن هؤلاء الأعضاء يُعيَّنون مدى الحياة. كذلك، جاء تثبيت القاضية بعد شهرٍ من ترشيحها لشغل مقعد القاضية الراحلة روث بادر غينسبورغ، وهو وقت يُعدُّ قياسياً بالمقارنة مع الفترات التي تستغرقها، عادةً، عملية كهذه. مناورات ديموقراطيّي مجلس الشيوخ ومساعيهم لإبطاء عملية تعيين مرشّحة ترامب فشلت، بعدما أصرّ الجمهوريون على المُضيّ قُدُماً في تثبيت باريت. وتنبع المعارضة الديموقراطية خصوصاً مِن تجربة رفض غالبية المجلس الجمهورية عقد جلسات استماع للقاضي ميريك غارلاند، مرشّح الرئيس السابق باراك أوباما في عام 2016، قبل نحو ثمانية أشهر من الانتخابات، بحجّة ضرورة انتظار النتيجة، ومنح الرئيس المقبل الحقّ في اختيار قاض جديد.
أعلنت باريت استقلالها عن ترامب والعملية السياسية


بمصادقة «الشيوخ» على تعيين باريت، الكاثوليكية البالغة 48 عاماً، بات بإمكان ترامب استغلال هذا الانتصار في جولاته الانتخابية لحشد التأييد، وتقليص الفارق مع خصمه الديموقراطي، جو بايدن، الذي يتصّدر استطلاعات الرأي على الصعيد الوطني ونوايا التصويت في ستٍّ من الولايات المتأرجحة. ولم يتّضح بعد ما إذا كان هذا «الانتصار» سيقلب مسار الاستحقاق بالنسبة إلى الرئيس الجمهوري الساعي إلى تجديد ولايته، في ظلّ أزمة وبائية دفعت غالبية الناخبين إلى التعبير عن عدم رضاهم على طريقة إدارته لها. لم يمنع ذلك ترامب من الاحتفال بواحد من إنجازاته الخاصة؛ وفي مراسم أداء القاضية المحافِظة قَسَم اليمين في حفلٍ أقيم في حديقة البيت الأبيض، قال الرئيس الأميركي: «هذا يوم تاريخي لأميركا ولدستور الولايات المتحدة ولحكم القانون العادل وغير المتحيّز»، مثنياً على مزايا باريت و»مؤهّلاتها التي لا تشوبها شائبة» و»سخائها في الإيمان» و»شخصيتها الذهبية». من جهتها، أعلنت القاضية بعدما أدّت قسم اليمين أمام عضو المحكمة العليا، القاضي كلارنس توماس، استقلالها عن ترامب والعملية السياسية، قائلةً إن «اليمين الذي أدّيته بكلّ جدّية يعني في جوهره أنني سأؤدي المهمّة من دون خوف أو مجاملة، وسأفعل ذلك على نحو مستقلّ عن الأفرع السياسية وعن تفضيلاتي الشخصية».
على رغم تطميناتها، يخشى الديموقراطيون من أن تكون أولى القضايا التي يمكن أن تنظر فيها باريت، تلك التي يَتقرَّر فيها من يفوز بالرئاسة، في ضوء ازدياد عدد القضايا التي يُتوقّع أن تُرفع للطعن في طريقة عدّ الأصوات وفرزها على خلفية كثافة التصويت بالبريد. أعضاء مجلس الشيوخ الديموقراطيون رأوا، في كلماتهم قبل التصويت على تثبيت باريت، أن إسراع ترامب في ترشيحها ما هو إلّا عمل سياسي لمساعدته في الحفاظ على منصبه، بعدما قال الرئيس في وقت سابق من الشهر الفائت: «أعتقد أن من الأفضل أن نختار قاضية قبل الانتخابات لأنني أعتقد أن هذه الانتخابات ستكون فضيحة يقوم بها الديموقراطيون، إنها عملية احتيال، هذه الفضيحة ستكون أمام المحكمة العليا». ووصف زعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، عملية الترشيح بأنها «استيلاء ساخر على السلطة»، محذّراً من أن الجمهوريين سيدفعون ثمن إقدامهم على هذه الخطوة «الخطيرة». وطالبت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، الحزب بالاستعداد لمواجهة ما أقدم عليه الرئيس، معتبرةً أن «قيام الجمهوريين بهذا العمل قبل ثمانية أيام من الانتخابات، وبعدما أدلى 60 مليون مواطن بأصواتهم، ما هو إلّا دليل على يأسهم، وعلى تصميمهم على تحقيق وعدهم بتدمير برنامج أوباما للرعاية الصحية».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا