تبادل الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومنافسه في الانتخابات الرئاسية، الديمقراطي جو بايدن، خلال مناظرة ثانية وأخيرة مساء أول من أمس، الاتهامات بالفساد، وتواجها بشأن إدارة أزمة «كوفيد ـــــ 19»، من دون أن يوجّه أيّ منهما ضربة قاضية إلى الآخر، من شأنها أن تغيّر معادلة الاستحقاق الرئاسي المقرّر بعد 12 يوماً. وكانت نبرة الجمهوري ترامب أكثر تحفّظاً ممّا كان عليه في المناظرة الأولى في أيلول / سبتمبر، والتي سرعان ما خرجت عن مسارها بسبب مقاطعاته المستمرّة لبايدن. لكن مناظرة الخميس حفلت بالهجمات الشخصية بين الرجُلَين، فوجّه ترامب اتهامات بالفساد إلى بايدن وعائلته، من دون أن يستند إلى أساس. وأتاح غياب التشويش والمقاطعة نقاشاً أكثر موضوعية بشأن مجموعة من القضايا، منها الاقتصاد والعرق وتغيّر المناخ والرعاية الصحية والهجرة، في حين بدا أنّ ترامب المتخلّف عن خصمه في استطلاعات الرأي، يسعى لعكس صورة أكثر انضباطاً بعد مناظرة أولى صاخبة وفوضوية. وقد ساهم في ذلك قرار المنظّمين قطع مايكروفون أحد المرشّحين، خلال الدقيقتين الأوليين من تولّي المرشح الآخر الكلام عن كلّ سؤال.
جائحة فيروس «كورونا»، التي أودت بحياة أكثر من 221 ألفاً في الولايات المتحدة، ألقت بظلالها على المناظرة مثلما فعلت مع الحملة ككلّ. فاتهم ترامب بايدن بالرغبة في «فرض إغلاق جديد» في البلاد، الأمر الذي ردّ عليه المرشح الديمقراطي، قائلاً إنّ «شخصاً مسؤولاً عن هذا العدد الكبير من الوفيات يجب ألا يكون قادراً على البقاء رئيساً للولايات المتحدة». واتّهم الرئيس بأنّه «لا يزال من دون خطة» للتعامل مع الجائحة. وتوقّع بايدن أن تواجه البلاد «شتاء قاتماً» بسبب الجائحة، مضيفاً: «لا يوجد عالم واحد جدّي في العالم يعتبر أنّه (كوفيد ــــــ 19) سيختفي قريباً»، في وقت لا يكفّ فيه الملياردير الجمهوري عن القول إنّ الجائحة ستزول سريعاً. وردّ ترامب بالقول: «نحن نحاربه (الفيروس) بحزم شديد». وأضاف: «لدينا لقاح آتٍ، إنّه جاهز، سيتم الإعلان عنه في الأسابيع المقبلة»، من دون أن يحدّد الموعد الدقيق لجهوزية اللقاح المرتقب.
وبالرغم من الهدوء الذي ميّز هذه المناظرة عن سابقتها، إلّا أنّ ثمّة شكوكاً حيال إمكانية أن تغيّر في المعادلة في الانتخابات. فقد أشار آرون كال، الأستاذ في جامعة ميشيغان والمتخصّص في المناظرات الرئاسية، إلى أنّ «المرشّحَين استخلصا بوضوح الدروس من مناظرتهما الأولى التي تعرّضت لانتقادات كثيرة». وأضاف: «لكن مع بقاء 12 يوماً قبل موعد الانتخابات، وإدلاء عشرات ملايين الأميركيين بأصواتهم بشكل مبكر، قد يكون فات الأوان لحصول تغيير جذري في نتيجة الاقتراع».
وبالفعل، صوّت نحو 45 مليون أميركي ــــــ وهو عدد غير مسبوق ــــــ مبكراً، فيما تظهر استطلاعات الرأي أنّ معظم الناخبين حسموا أمرهم. وأظهر استطلاع للرأي أعدّته «جامعة كوينبياك» على الصعيد الوطني، تقدّم بايدن بنسبة 51% مقابل 41% لترامب. وأضاف كال أنّ «بقاء الأمور على حالها بعد هذه المناظرة سيُعتبر على الأرجح خبراً سارّاً لحملة بايدن، الذي يتمتّع بتقدّم مستقرّ في استطلاعات الرأي على المستوى الوطني وفي الولايات الرئيسية».
وبعدما تركّزت المناظرة في بدايتها على الجائحة، تحوّل الأمر إلى اشتباك بشأن إذا ما كان أيّ من المرشّحَين لديه علاقات خارجية غير قويمة. وعلى صعيد السياسة الخارجية، تعهّد بايدن بأن تدفع كلّ من روسيا والصين وإيران ثمن تدخّلها في الانتخابات الرئاسية الأميركية، إذا ما فاز بالانتخابات. وقال إنّ هذه الدول الثلاث «ستدفع الثمن إذا ما انتُخبت. إنّها تتدخّل في السيادة الأميركية».
كذلك، اشتبك المرشّحان بشأن الرعاية الصحية والسياسة تجاه الصين والعلاقات بين الأعراق، وذلك بعد احتجاجات مناهضة للعنصرية على مدى أشهر، إذ قال بايدن إنّ ترامب «أحد أكثر الرؤساء عنصرية» في التاريخ، وإنه «يصبّ الزيت على كلّ حريق عنصري». وردّ ترامب بانتقاد صياغة بايدن لمشروع قانون جنائي، عام 1994، زاد من حبس المتّهمين من الأقليات. وجدّد التأكيد أنّه قدّم للأميركيين السود أكثر ممّا قدّمه أيّ رئيس «ربما» باستثناء أبراهام لنكولن، خلال الحرب الأهلية في ستينيات القرن التاسع عشر. وخلال الحديث عن تغيّر المناخ، قال بايدن إنّ خطته البيئية «ستنتقل من قطاع النفط» إلى مصادر الطاقة المتجدّدة، ما دفع ترامب إلى شنّ هجوم عليه، قائلاً: «سيدمّر قطاع النفط». وذكر بايدن أنه يريد ببساطة إلغاء الدعم الاتحادي لشركات النفط.
من جهة أخرى، بعدما اتّهم ترامب خصمه بالسعي إلى اعتماد سياسة «اليسار الراديكالي»، أشار بايدن إلى أنّه فاز في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي على مرشحَين آخرين أكثر تجذّراً في التيار اليساري منه. وقال ساخراً: «إنه تائه بعض الشيء ويظن أنه يواجه شخصاً آخر. لكنّه يواجه جو بايدن».
تعهّد بايدن بأن تدفع روسيا والصين وإيران ثمن تدخّلها في الانتخابات الرئاسية


بدوره، طلب ترامب من جو بايدن توضيحات بشأن تهم بالفساد تحيط بنشاطات نجله هانتر في الصين وأوكرانيا عندما كان المرشح الديمقراطي نائباً لباراك أوباما، من عام 2009 إلى عام 2017. ودعا ترامب إلى المناظرة توني بوبولينسكي وهو شريك سابق لهانتر بايدن يتّهم نجل المرشح الديمقراطي باستخدام اسم عائلته لتحقيق «الملايين» في الخارج بموافقة والده. وذكر الرئيس بوبولينسكي، قائلاً إنّ روايته «تشكّل إدانة» لبايدن. وأضاف لاحقاً متوجّهاً إلى المرشح الديمقراطي: «لا تحاول أن تقدّم نفسك على أنك طفل بريء». فردّ عليه بايدن بالقول: «لم أتلقَّ يوماً بنساً واحداً» من أيّ جهة أجنبية. وكان المرشح الديمقراطي قد تجنّب، حتى الآن الرد، على أسئلة متعلقة بهذه المسألة. وأكّد مراراً خلال المناظرة أن «هذا غير صحيح». وشنّ هجوماً مضاداً على الرئيس الأميركي آخذاً عليه عدم قبوله بنشر سجلّاته الضريبية، وسأله: «ماذا تخفي؟»، وأضاف: «ما نعرفه هو أنك لا تدفع ضرائبك أو أنك تدفع ضرائب متدنية جداً»، في إشارة إلى تقارير بشأن بيانات ضريبية مسرّبة تُظهر أن ترامب دفع ضرائب فدرالية قيمتها 750 دولاراً كحدّ أقصى في السنوات الأخيرة. وردّ ترامب، الذي سلك نهجاً مغايراً لنهج الرؤساء الأميركيين على مدى عقود برفضه الإعلان عن إقراراته الضريبية، بأنّه دفع «ملايين». وقال مجدداً إنه لن يكشف عن إقراراته الضريبية، إلّا بعد الانتهاء من تدقيق يجري منذ فترة طويلة.
( رويترز، أ ف ب)