عندما يعتبر ماكرون أن قاتل المدرّس «أراد إسقاط قيم الجمهورية»، ويزعم وزير داخليته أن المناضلين ضدّ الإسلاموفوبيا يروّجون لـ«القطيعة مع قيم الجمهورية»، فإن الربط يكون قد تمّ بين المناضل المناهض للعنصرية والجهادي. هذا الخطاب، الرائج في أوساط المسؤولين السياسيين الفرنسيين، والذي يفترض وجود علاقات عضوية بين الحركات السياسية المناهضة للعنصرية والجماعات الجهادية، يُذكّر بأطروحات بعض المتخصّصين في الشؤون الإسلامية في فرنسا. أبرز هؤلاء هو جيل كيبيل، الذي دان في كتابه «الجهاد في بلادنا. نشأة جهاد فرنسي»، الصادر سنة 2015، ما يراه تواطؤاً من قِبَل العاملين في منظّمات معادية للعنصرية مع تجنيد لشبّان من قِبَل الجهاديين. ومن دون الذهاب إلى حدّ اتهام المناهضين للعنصرية بكونهم مجرّد واجهات للجهاديين، هو يجزم بأن الصدى الإيجابي الذي تلاقيه الدعاية الإسلامية بين الشبان، يعود إلى الدور التمهيدي الذي يؤدّيه خطاب الجمعيات المناهضة للعنصرية بينهم، والذي يُعزّز قناعتهم بكونهم ضحايا.
يتمّ تحميل مسؤولية تغلغل التيار الجهادي في الضواحي الفرنسية للمناضلين المعادين للعنصرية
يفضي مثل هذا الطرح إلى النظر إلى الإسلاموفوبيا على أنها مجرّد وهم، وتحميل مسؤولية تغلغل التيار الجهادي في الضواحي الفرنسية للمناضلين المعادين للعنصرية، مع تجاهل وِزر الدولة والمجتمع الفرنسيَّين في إنتاج الظروف الملائمة لذلك التغلغل. بطبيعة الحال، هو يتعامى أيضاً عن حقيقة أن الجمعيات المناهضة للعنصرية، عند مقاربتها الإسلاموفوبيا من منظور سياسي، ساهمت في دحض الأطروحات التبسيطية المتطرّفة الناجمة عن اليأس. التحريض ضدّ الجمعيات المناهضة للعنصرية لم يتوقف في الواقع، ويندرج في إطاره التقرير المُعَدّ سنة 2018 من قِبَل كريم القروي، أحد أبرز مستشاري ماكرون المشاركين في صياغة قانونه حول «الانفصالية الإسلامية»، وعنوانه «صناعة الإسلاموية». يدعو القروي في تقريره إلى التعامل مع الإسلام السياسي بجميع أطرافه باعتباره كتلة صمّاء، وإلى تعزيز الترسانة القانونية في فرنسا للتصدّي له بفعّالية أكبر، وهي توصيات وجدت آذاناً صاغية لدى ماكرون وفريقه.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا