قبل كلّ انتخابات، يمكن سماع سياسيين من كلا الحزبَين يعلنون أن «هذه ستكون أهمّ انتخابات في حياتك». نادراً ما يكون ذلك صحيحاً، على الرغم من أنه دائماً ما يكون الأهمّ في حياة السياسي، الذي تتأثّر آفاقه المستقبلية بالنتيجة. لكن هذه المرّة، ربما يكونون على حق.يجد «التقدميون»، الذين يسيطرون اليوم على الحزب الديمقراطي، أنفسهم غير قادرين على قبول نتائج الانتخابات التي وضعت أشخاصاً مثل رونالد ريغان وجورج دبليو بوش ودونالد ترامب في البيت الأبيض، وقد تعهّدوا بأنه إذا ما أُتيحت لهم الفرصة، فسيغيّرون القواعد لمنع مثل هذه النتائج الانتخابية، التي لا يمكن تصوّرها في المستقبل.
اعتبر «التقدميّون» أنّ جورج دبليو بوش ودونالد ترامب رئيسان غير شرعيين، مارسا الغشّ عبر قمع تصويت الأقلية، والاعتماد على مجمّعٍ انتخابي عفا عليه الزمن و«غير ديمقراطي» لإحباط الإرادة الشعبية، أو في حالة ترامب، تآمر مع موسكو لخداع الناخبين العنصريين، من أجل التصويت لرجلٍ ما كان ينبغي السماح له بأن يكون في أيّ مكان بالقرب من البيت الأبيض.
إذا فاز الديمقراطيون بالرئاسة في تشرين الثاني/ نوفمبر، وسيطروا على مجلس الشيوخ في الوقت نفسه، فمن المرجّح أن يتصرّفوا بشكل حاسم في ما يتعلّق بالتعهّد بتغيير أميركا بشكل جذري. قال القادة الديمقراطيون إنهم سيقضون على التعطيل في مجلس الشيوخ، إذا حاول الجمهوريون استخدامه لإفشال خططهم (...).
قد يكون نائب الرئيس السابق - كما يؤكد العاملون معه - أكثر وسطية في القلب من أولئك الذين يسيطرون الآن على الحزب الديمقراطي، لكنه كان دائماً رجل حزبٍ قبل كلّ شيء. على مدى عقود، قام بتعديل وجهات نظره لتتوافق مع آراء أيّ فصيل يهيمن على حزبه، في أيّ وقت من الأوقات، ومن غير المرجّح أن يتغيّر ذلك إذا وصل إلى البيت الأبيض.
تُركّز الكثير من التحليلات المرتبطة بما قد يتبع فوز بايدن في تشرين الثاني/ نوفمبر، على إذا ما كان هذا الأخير سيلغي، بالفعل، التخفيضات الضريبية التي وُضعت في عهد ترامب، أو سيتراجع عن الإصلاحات التنظيمية التي رحّبت بها العديد من الشركات، أو سيقيّد ملكية الأسلحة النارية وحيازتها، أو سيُحسّن العلاقات مع الصين، أو سيُعيد الانضمام إلى اتفاقيات باريس، وينفّذ نسخته من «الصفقة الخضراء الجديدة».
إذا فاز بايدن بالرئاسة، ووجد حزبه نفسه مسيطراً على مجلس الشيوخ، فإن الديمقراطيين سيعكسون، بالتأكيد، العديد من السياسات التي نفّذها سلفه، لكن العواقب الأكثر أهمية، والبعيدة المدى لانتصار بايدن، ستكون على شكل تغييرات جوهرية في هيكل الجمهورية (...). يمكن العثور على مخطّط إعادة الهيكلة المنهجية، الذي يتصوّره بايدن والديمقراطيون، في برنامج الحزب الديمقراطي لهذا العام، وفي تشريع «إصلاح» الانتخابات، الذي جعله القادة الديمقراطيون أولويتهم في الكونغرس الذي يشارف على نهايته، ووعدوا بتمريره في الكونغرس التالي، بعد إعادة تسميته بتشريع «الحقوق المدنية». من شأن هذا التشريع أن يجرّد الولايات من مسؤوليتها المنصوص عليها في الدستور، لإدارة وحماية نزاهة انتخاباتنا (...). الكثير ممّا يتضمّنه غير دستوري بشكل صريح، ولكن يمكن حلّ ذلك عبر توسيع حجم المحكمة العليا، بحيث يتمّ اعتبار أيّ قوانين تُصدرها الحكومة التقدّمية الموحّدة الجديدة «دستورية»، من قِبَل محكمة تابعة لفروع تلك الحكومة، التشريعية والتنفيذية.
أضف إلى ذلك، التعهّد بإلغاء التعطيل في مجلس الشيوخ، ومنح بورتوريكو ومقاطعة كولومبيا وضع ولاية، الأمر الذي يرقى، من الناحية السياسية، إلى «تعبئة» مجلس الشيوخ، بحيث لا تكون للجمهوريين سوى قدرة ضئيلة على التأثير في أعمال تلك الهيئة، أو في حمل آمالٍ واقعية في استعادتها خلال أيّ انتخابات مستقبلية. هذه المقترحات مجتمعة ليست أكثر من مجرّد صيغة للإصلاح المؤسّساتي، من شأنها أن تُضيّق على أولئك الذين لا يتّفقون مع الرؤية التقدّمية للمجتمع، وتجعل من الصعب للغاية على المعارِضين الفوز في الانتخابات المستقبلية.
التقدّميون الذين يسيطرون على حزب نائب الرئيس السابق، بايدن، يريدون المزيد: قيودٌ على التعبير لإسكات أولئك الذين يختلفون معهم، والذين لا يعتبرونهم مخطئين فحسب، بل يعتبرونهم أشراراً أيضاً، إلى جانب اعتماد قوانين جديدة ستجعل من الصعب على معارضي عالمهم الجديد والشجاع التنظيم والعمل. لن يحصلوا على كلّ ما يريدون على المدى القصير، ولكن إذا تمكّنت إدارة بايدن - هاريس من تنفيذ ما يعتبره معظم التقدّميين خطوات أولى في ترسيخهم كأغلبية انتخابية دائمة، فإن انتخابات هذا العام ستثبت، بالفعل، أنها الأكثر أهمية في حياتنا.
(ديفيد كيني ــ «ذا ناشيونال إنترست»)

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا