دفْعُ الولايات المتحدة باتجاه فرض عقوبات على طهران، ترك أوروبا في موقفٍ حرِج. أخيراً، ناصَر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، «التعدّدية»، ولكن ليس بالطريقة التي كانت تأملها أوروبا. لسنوات، ناشدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقادة الاتحاد الأوروبي الآخرون، ترامب، التخلّي عن نهج «أميركا أولاً»، واتّباع مقاربة أكثر دبلوماسية تجاه الصين، من أجل بناء الإجماع عبر الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية. قد يتمنّون، خلال وقت قريب، لو لم يفعلوا ذلك.الضغط الأميركي لفرض عقوبات ترك أوروبا في موقف حرِج، فهي عازمة على إبقاء الاتفاق النووي الإيراني حيّاً، بينما تعارض الخطوة الأميركية. لا يقتصر الأمر على وضع القوى الأوروبية في مجلس الأمن (فرنسا، المملكة المتحدة، وألمانيا التي تشغل حالياً مقعداً غير دائم) في المعسكر ذاته مع روسيا والصين اللتين تعارضان موقف الولايات المتحدة، بل يخلق أيضاً مظهراً يبدو فيه الثلاثي كأنه يدعم طهران على حساب واشنطن، أهمّ حليفٍ لأوروبا.
في عام 2018، تخلّت إدارة ترامب عن الاتفاق النووي الذي جرى التوصّل إليه بين طهران والقوى العالمية الست في عام 2015، خلال رئاسة باراك أوباما، وذلك بحجّة أنّه لا يمكن الوثوق بإيران. منذ ذلك الحين، تحاول أوروبا إبقاء الصفقة قائمة، حتى في مواجهة الانتهاكات الإيرانية. في مقدّمة للدراما، امتنعت أوروبا عن التصويت في مجلس الأمن على قرار قدّمته الولايات المتحدة لتمديد حظر الأسلحة ضدّ إيران، والذي ينتهي في تشرين الأول/ أكتوبر. ولكن لا يوجد مهرب من مناورة حول آلية الـ«سناب باك»: إمّا أن توافق القوى الأوروبية على فرض العقوبات كما هو منصوص عليه في القرار الداعم للاتفاق النووي الإيراني، وإمّا أن لا توافق.
تأتي المواجهة بعد فترة على انتقاد دول الاتحاد الأوروبي للولايات المتحدة، لعدم احترامها للمعايير الدولية، من خلال التهديد بفرض عقوبات «خارج الحدود الإقليمية» على شركات وأفراد مرتبطين بخطّ أنابيب «نورد ستريم 2» المثير للجدل، الذي يربط بين روسيا وألمانيا، والذي تحاول الولايات المتحدة منعه. لكن الـ«سناب باك» ستخلق مشكلة أخرى: إذا لم يمتثل الأوروبيون، فقد يكونون هم الذين يُنظر إليهم على أنهم ينتهكون اتفاقية دولية.
يقول دبلوماسيون أوروبيون إن قلقهم الأكبر هو ممّا سيعنيه عدم الامتثال من جانبهم، بالنسبة إلى مستقبل الأمم المتحدة نفسها (...). إذا رفض أعضاء مجلس الأمن احترام القرارات التي صادقوا عليها بأنفسهم، مثل القرار الذي يتضمّن بند الـ«سناب باك»، فإن شرعية الأمم المتحدة سوف تتضرّر بشدّة. ولكن حتى إذا حذا الأوروبيون حذو الولايات المتحدة، كما يقول الدبلوماسيون، فإن الأمم المتحدة ستتعثّر في المضي قُدُماً، لأن روسيا والصين، اللتين تشعران بالخداع من قِبَل الولايات المتحدة، من غير المرجّح أن توقّعا على اتفاقية مثل صفقة إيران مرّة أخرى.
يقول الأوروبيون إنه حتّى لو كان للولايات المتحدة الحق القانوني في إطلاق الـ«سناب باك» (وهو ما يجادلون فيه)، فإن واشنطن تنتهك بذلك روح الاتفاقية الأصلية، لأن البند كان مصمّماً لمعاقبة إيران، فقط في حال انتهاكها الصارخ للاتفاقية النووية. إيران تنتهك، حالياً، الاتفاق من خلال تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز الحدود المسموح بها، لكن الأوروبيين يجادلون بأن هذا يرجع فقط إلى انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة.
على الرغم من قرار الولايات المتحدة الانسحاب، تقول إدارة ترامب إن لديها الحق القانوني في ممارسة الـ«سناب باك»، لأن الولايات المتحدة وَرَد اسمها في القرار الذي يقنّن الصفقة، والذي لم يتمّ تعديله أبداً. الأوروبيون يعترضون على الحجج القانونية التي تسوقها الولايات المتحدة، لكن لا توجد محكمة أو مؤسّسة أخرى لديها السلطة للحكم في هذه المسألة (...).
حتى جون بولتون، مستشار ترامب السابق لمجلس الأمن القومي، والسفير الأميركي الأسبق لدى الأمم المتحدة، حذّر الإدارة من أنها تلعب بالنار. «من اللطيف للغاية أن نقول إننا في الاتفاق النووي للأغراض التي نريدها، ولسنا كذلك للأغراض التي لا نريدها»، كتب بولتون، وهو منتقدٌ حادّ لاتفاق إيران والأمم المتحدة، في صحيفة «وول ستريت جورنال».
بولتون، مؤلّف كتاب حديث عن إدارة ترامب، يجادل بأن واشنطن تخاطر بإثارة ردّ فعل متسلسل يمكن أن يُعرّض في النهاية قوّة الفيتو الأميركي في مجلس الأمن للخطر، ولا سيما أنها أداة طالما اعتمدت عليها لمنع القرارات التي تعارضها بشأن إسرائيل وقضايا أخرى. «بالنسبة إلى الولايات المتحدة، هناك مبدأ سامٍ يستحقّ الموت من أجله في الأمم المتحدة: لا تُضعف حق النقض في مجلس الأمن»، كتب.
لكنّ مؤيّدي مسار الإدارة يقولون إن أوروبا بحاجة إلى النظر إلى ما هو أبعد من نفورها من ترامب، والاعتراف بما يدركه العديد من دول الاتحاد الأوروبي، أي الطبيعة الخبيثة للنظام الإيراني. «من الواضح أن الأوروبيين لا يريدون أن يُنظر إليهم على أنهم يمنحون ترامب فوزاً في هذه القضية»، قال بهنام بن طالبلو، وهو محلّلٌ في شؤون إيران في «مؤسّسة الدفاع عن الديموقراطيات»، وهي معهد أبحاث مقرّه واشنطن. وأضاف: «إنها مسألة أسلوب ومضمون».
في الوقت الحالي، تتمثّل الاستراتيجية الأوروبية في كسب الوقت... إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر، على أمل أن يعاكس جو بايدن مسار ترامب. مع ذلك، إذا فاز ترامب، فستعود أوروبا إلى المربع الأول.
(بوليتيكو - ماثيو كارنيتشنيغ - بتصرّف)

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا