يحشد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وخصومه، للمواجهة «المَلْحمية» التي طرأت على الموسم الانتخابي، والتي تتمحور حول مستقبل المحكمة العليا، بعدما بات مفتوحاً على أكثر من احتمال، على إثر وفاة القاضية روث بادر غينسبيرغ. ساحة معركة جديدة أُطّرت، أخيراً، بين ترامب ومنافسه الديموقراطي جو بايدن، ومسارٌ تصادمي جديد وجد المشرّعون أنفسهم فيه، في وقت يجب فيه على الكونغرس معالجة قضايا رئيسة أكثر إلحاحاً، بما في ذلك مشاريع قوانين الإنفاق لإبقاء الحكومة مفتوحة الأسبوع المقبل، وحزمة الإغاثة المتوقّفة، والتي تهدف إلى مساعدة ملايين الأميركيين الذين تُركوا عاطلين من العمل بسبب تفشّي فيروس «كورونا»، الذي أودى بحياة ما يقرب من 200 ألف شخص في الولايات المتحدة.وقبل أقلّ من 50 يوماً على الانتخابات، لا تترك وفاة غينسبيرغ سوى القليل من الوقت لإتمام عملية الترشيح الطويلة والمرهِقة. عمليةٌ، في حال تمّت، يمكن أن يتمخّض عنها بديلٌ «يساعد في ميل دفّة المحكمة بشكل حاسم» نحو جناحها المحافظ أو الليبرالي، على حدّ تعبير مايكل هيرش، في مجلّة «فورين بوليسي». وفي انتظار تبلور الصورة، تُطرح أسئلة كثيرة: هل يمكن لترامب أن يفوز بالتصديق على خليفة غينسبرغ، قبل نهاية ولايته؟ إذا كان الجواب نعم، مَن سيكون البديل؟ وكيف سيتعامل أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون مع الوضع؟
في نظرة أوّلية، تبدو الخطوط العريضة للمعركة واضحة، خصوصاً أن زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، أعلن، بعد ساعات على وفاة غينسبرغ، أنه سيعمل على حصول مرشّح ترامب على التصويت، هذه السنة. موقفٌ وصفه عدد كبير من المحلّلين بـ«المنافق»، على اعتبار أن الجمهوريين كانوا قد مَنعوا، ميريك غارلاند، مرشّح الرئيس السابق باراك أوباما، في عام 2016، من الحلول محلّ القاضي أنطونين سكاليا، بحجّة أن الرئيس لا ينبغي أن يملك سلطة تعيين قاضٍ جديد خلال عام انتخابي. سكاليا كان قد تُوفّي في 13 شباط/ فبراير 2016، أي قبل تسعة أشهر من الانتخابات الرئاسية في ذلك العام. يومها، قال ماكونيل إنه لن يسمح بجلسة استماع، أو التصويت على مرشّح من قِبَل أوباما. الآن، لم يبقَ سوى أقلّ من شهرين على الانتخابات الرئاسية، ومع ذلك تعهّد ماكونيل بالضغط من أجل مرشّح ترامب، ليجد نفسه في أزمة وقت حقيقية، هذا من دون الأخذ في الاعتبار إمكانية قيام الديموقراطيين ببعض الإجراءات التي يمكن أن تؤجّل عملية التصويت. هؤلاء يملكون أدوات قليلة من أجل تأخير العملية؛ فبناءً على قواعد مجلس الشيوخ، لدى الحزب المُعارِض الحق في تأخير التصويت ضمن لجنة القضاء لمدة أسبوع؛ كما يملك الحق في الإصرار على الحصول على 30 ساعة، على الأقلّ، من أجل نقاش المسألة داخل المجلس، على أن تكون هذه الخطوة النهائية التي تسبق التصويت.
لا تترك وفاة غينسبيرغ سوى القليل من الوقت لإتمام عملية الترشيح الطويلة والمرهِقة


على أيّ حال، بات من الواضح أن من الممكن إجرائياً أن يتقدّم ماكونيل بمرشّح، إمّا قبل يوم الانتخابات، أو خلال فترة «البطّة العرجاء» (أي بعد الانتخابات وقبل تنصيب الرئيس). وبحسب جيفري توبين في في مجلة «ذا نيويوركر»، يمكن أن يجد ترامب وماكونيل طريقهما إلى التصويت على المرشّح خلال هذه السنة، ذلك أن «الأمر صعب، ولكن ليس مستحيلاً». وهو ما توافق عليه صحيفة «ذا نيويورك تايمز»، التي تؤكد أن «من المحتمل أن يُصوّت أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون للتصديق على بديل من غينسبرغ، قبل نهاية العام». أمّا بناءً على تعبير مجلّة «فورين بوليسي»، فلا شيء مضموناً هذه المرة. تنطلق كلّ الفرضيات من تراجُع الجمهوريين عن المنطق الذي استخدموه لمنع غارلاند، ما يشير في الوقت ذاته إلى أنهم سيُسهّلون عملية الترشيح بمجرّد أن يختار ترامب بديلاً. ولكن هذه التقديرات تصطدم بواقعٍ هشّ، يتمثّل في وجود أغلبية بسيطة (53 مقابل 47) في مجلس الشيوخ، المؤلّف من 100 عضو، ما يمنح الديموقراطيين بصيص أمل، بإمكانية استقطابهم أربعة جمهوريين إلى جانبهم للتصويت ضدّ خيار ترامب، ودفع التعيين إلى ما بعد الانتخابات. وفي إشارة إلى دعمٍ لهذا المسعى، اعتبر سيناتوران جمهوريان، هما سوزان كولينز وليزا موركاوسكي، أن القرار بتعيين قاضٍ جديد يجب أن ينتظر إلى ما بعد الانتخابات. كولينز، التي تمثّل ولاية ماين، تحلّ بعد منافسها الديموقراطي في استطلاعات الرأي. ويبدو موقفها صعباً، ولا سيما أنها كانت قد واجهت غضباً كبيراً من الديموقراطيين في ولايتها، بعد تصويتها لصالح التصديق على اختيار بريت كافانوغ، في عام 2018.
إضافة إلى كولينز وموركاوسكي، تشخَص العيون إلى أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الآخرين، الذين يعانون من وضع مماثل، بما في ذلك مارثا مكسالي من ولاية أريزونا، وجوني إرنست من ولاية أيوا. على أن الحسابات قد تبدو مختلفة بالنسبة إلى غيرهم، بمن فيهم ليندسي غراهام في ساوث كارولينا، الذي يتقارب بشكل كبير مع منافسه الديموقراطي، وفقاً لبعض استطلاعات الرأي. بالنسبة إلى هذا الأخير، يمكن للتصديق على قاضٍ محافِظ أن يساعده في صقل صورته المحافِظة أمام قاعدة حذِرة. وهو من هذا المنطلق، غرّد يوم السبت بأنه «سيدعم الرئيس دونالد ترامب في أيّ جهد يقوم به من أجل التقدّم في إطار ملء الفراغ الذي خلّفته وفاة القاضية غينسبرغ». ولكن طبعاً، يجب على غراهام أن يتصالح مع نفسه، أولاً، ويواجه تعليقاته الخاصة التي أطلقها عام 2016، عندما شدّد على أنه يجب عدم ملء فراغ في المحكمة العليا، خلال عام انتخابي. حينها، قال: «استخدموا كلماتي ضدّي»، في حال تكرّر هذا الوضع بوجود جمهوري في البيت الأبيض.



من سيُرشّح الرئيس؟


أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أمس، أنه سيكشف عن اسم الشخصية التي يرشّحها لخلافة القاضية الراحلة روث بادر غينسبيرغ في المحكمة العليا، نهاية الأسبوع الحالي، مشدّداً على أن على مجلس الشيوخ التصويت على التعيين قبل الانتخابات الرئاسية المرتقبة. وقال ترامب، لشبكة «فوكس نيوز»: «سأُعلن الشخصية الجمعة أو السبت ثمّ يبدأ العمل، لكن آمل ألّا يكون هناك كثير من العمل»، مشيراً إلى أنه لا يريد الحصول على تعادل في أصوات قضاة المحكمة. ولفت إلى أن قاضيتين هما إيمي كوني باريت وباربرا لاغوا من أبرز الأسماء المرشّحة على قائمته المختصرة، موضحاً أن لاغوا أميركية من منطقة البلدان الأميركية الناطقة بالإسبانية، وهي من ولاية فلوريدا التي تعتبر أساسية في الانتخابات، واصفاً إياها بأنها «ممتازة» و«رائعة». ورفض ترامب تقارير تناولت وصية غينسبيرغ، وهي تحتضر، إلى حفيدتها، ومفادها عدم ملء مقعدها قبل أداء رئيس جديد القسم، قائلاً: «لا أعرف ما الذي قالته»، معتبراً أن التصريحات «صاغها» مسؤولون ديموقراطيون.
(أ ف ب)

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا