شهران يفصلان عن الانتخابات الرئاسية الأميركية في الثالث من تشرين الثاني / نوفمبر. شهران كفيلان بترسيخ معادلات أو تغييرها، أو حتى بخلق أخرى تمنح الأحقية لمرشّح على آخر، وتدير مزاج الناخب لصالح هذا على حساب ذاك. هي فترة ليست بسيطة في الحسابات الانتخابية، وكما يمكن أن تشهد تطوّرات، فقد تُستغل في سبيل إعادة الزخم إلى حملة دونالد ترامب، أو من أجل إثبات أنّ جو بايدن هو «المخلّص» من سياسات هذا الأخيرة، المعطوفة على تعاطي إدارته الفاشل مع تفشّي فيروس «كورونا»، ومع التظاهرات التي شهدها العديد من الولايات احتجاجاً على عنف الشرطة.الواقع الجديد الذي فرضته هاتان المسألتان، بعدما هيمنتا على الواقع الأميركي، أثبت أنّ موقف ترامب أمام ناخبيه بات متزعزعاً، وأنّ عدداً كبيراً من الأميركيين وجد أنّ رئيسه فشل في القيادة، عندما تعلّق الأمر بحدثٍ مصيري. وفي نظرة سريعة إلى ما حصل في الأشهر الستة الأخيرة، يمكن تلخيص المشهد بالتالي: الرئيس الذي خطّط للفوز بأربع سنوات أخرى في البيت الأبيض، معتمداً على نقطة قوة تتمثل في الاقتصاد المزدهر، قابلته جائحة قضت على «إنجازاته»، ووضعته في مواجهة محتدمة مع بايدن، كان قبل ذلك في منأى عنها. وأمام عجزه اقتصادياً، سعى إلى اختيار مسائل جديدة تكون أساساً لحملته، كالتعهّد بـ»القانون والنظام» في المدن التي شهدت تظاهرات؛ واللعب على الوتر العرقي في أكثر من مناسبة؛ والهجوم المستمر على من سمّاهم «اليساريين الراديكاليين»، في مناورة هي جزء من «الحرب الثقافية» الأكبر التي يشنّها ضدّ ما يصفه بأنّه «دفع من قبل السياسيين الليبراليين الأميركيين لشنّ حملة لا ترحم لمحو تاريخنا وتشويه سمعة أبطالنا...».
باختصار، إنها الـ»نحن ضدّهم»، وهي وسيلة قوية جداً في دولة شديدة الاستقطاب حول الإيديولوجيا الحزبية. ولكن بينما يُعرف ترامب ببراعته في تسخير سياسات الهوية وإذكاء المخاوف القومية لصالحه الانتخابي، فقد بدت قاعدته، هذه المرّة، غير مستعدّة لمساعدته على الفوز. الأسباب وراء ذلك كثيرة، ومن أبرزها تلك التي قادته سابقاً إلى البيت الأبيض، أي خطابه المتقلّب وأسلوبه الخاص، وارتجاله الحلول، إضافة إلى تفشّي جائحة «كورونا» في الولايات الجنوبية ذات الغالبية البيضاء، وفي الضواحي. فما هو معروف، أنّ ترامب يحظى بتأييد واسع بين الأميركيين البيض من ذوي الطبقة المتوسّطة، كما يروّج دائماً للدعم الجمهوري الساحق له. ولكن وفقاً لآخر الإحصاءات، يبدو أنّ ثقة جزء من الفئتين قد تزعزعت. فكيف يظهر ذلك؟
أشارت ثلاثة استطلاعات وطنية إلى أنّ بايدن يحافظ على تقدّم مريح على ترامب


في نظرة سريعة، يمكن الإشارة إلى التركيبة السكّانية المتغيّرة للولايات المتحدة، ومن ضمنها البيض الذين لا يملكون شهادة جامعية، والذين يشكّلون حوالى 44% من الناخبين المؤهّلين. في عام 2016، حاز ترامب 31% من أصوات الفئة السكانية غير الجامعية على المستوى الوطني، وفقاً لتحليل خبير الاستطلاعات روي تيكسيرا، في حديث إلى مجلة «نيويوركر». أفاد هذا الأخير، نقلاً عن استطلاع حديث، بأنّ بايدن قام بتضييق الفجوة إلى 12 نقطة. وهذا مشابه للهامش في عام 2008، عندما هزم باراك أوباما جون ماكين، ورفع الديموقراطيون غالبيتهم في مجلسي النواب والشيوخ. بالتالي، إذا حقّق بايدن الإنجاز الذي حقّقه أوباما سابقاً، فقد تكون له عواقب وخيمة على ترامب. وعلى حدّ تعبير تيكسيرا، «ليس هذا الشيء الوحيد الذي سيكون سلبياً بالنسبة إلى الرئيس، ولكنه الشيء الذي يمكن أن يمنح الديموقراطيين النصر الكبير الذي يحتاجون إليه ليحكموا بفعالية».
ليس هذا فحسب، فقد أفادت شبكة «سي إن إن»، بأنّ الناخبين المعتدلين نسبياً في الضواحي، والذين طالما شكلوا قاعدة الحزب الجمهوري خلال سنوات جورج بوش وما بعدها في الكونغرس، باتوا يفرّون من الحزب، رافضين البرنامج الخطابي والسياسي ذاته، الذي تسبّب في خسارة الديموقراطيين في عام 2016. وعلاوة على ما سلف، يذهب جون هوداك في معهد «بروكينغز»، إلى حدّ الإشارة إلى أنّ إصرار ترامب على أنّ دعمه داخل الحزب الجمهوري يبلغ 96٪، غير صحيح. ويوضح أنّ نسبة لا بأس بها لا توافق عليه. فبين شهري حزيران / يونيو، وآب / أغسطس، أظهرت استطلاعات رأيٍ أجراها معهد «يوغوف» ومجلّة «ذي إيكونوميست»، انخفاض موافقة الجمهوريين على ترامب إلى 85٪، مع رفضٍ بين 14 ـــــــ 15٪، وهو رقم قد يزيد في الأيام المقبلة.
بناء على كلّ ما تقدّم، اضطُرت حملة ترامب إلى وضع استراتيجية أكثر فعالية، فأعادت ترتيب أولوياتها الانتخابية. وبعد إمضاء الرئيس أسابيع في الدفع باتجاه إعادة فتح الاقتصاد، وأخرى في إطلاق «خطابات الكراهية»، أعاد تركيزه أخيراً على الجائحة، في اعتراف غير مباشر بأنّ لديه خيارات قليلة، غالبيتها تتمحور حول الوباء. اعتراف ربما سيسهم في تضييق الفجوة بينه وبين بايدن، وربما أدّى بالفعل إلى تقلّص تقدُّم الأخير عليه، إذ أفاد استطلاع لشبكة «سي ان ان»، بأنّ 50٪ من الناخبين يدعمون بايدن، بينما يقول 46٪ إنهم يدعمون ترامب.
مع ذلك، لا يمكن التعويل على هذا الرقم، ولا سيما أن ثلاثة استطلاعات وطنية أخرى أشارت إلى أنّ بايدن يحافظ على تقدّم مريح. فهل يكون استطلاع «سي ان ان» خارجاً عن المألوف، أم فعلاً سيتمكّن ترامب من استغلال الوقت الضائع لصالحه؟

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا