الضجّة التي أحدثها الانقلاب العسكري في مالي، اقتصرت على الخارج، فيما خيّم الهدوء على باماكو حيث لا تزال بادية آثار الاضطرابات غداة إطاحة الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا الذي أعلن استقالته مرغماً «حقناً للدماء». انقلابٌ سارع المجتمع الدولي إلى رفضه، فيما انعقد مجلس الأمن لدعوة العسكريين المتمردين إلى «العودة، دون تأخير، إلى ثكناتهم» والإفراج «فوراً» عن جميع المسؤولين المعتقلين الذين لم يعرف مصيرهم بعد.لكنّ المتمرّدين، أو مَن سمّوا أنفسهم «اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب»، لم يعيروا انتباهاً لكل الضجيج الآتي من خارج حدودهم، بل واصلوا إعادة ترتيب السلطة بما يتناسب مع المرحلة الجديدة، بعد عزل الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا وحكومته وحلّ المجلس النيابي، واقتياد المسؤولين إلى معسكر كاتي، حيث انطلقت حركة التمرُّد. وبات للجنة العسكرية رئيس اسمه الكولونيل آسيمي غويتا، الذي اعتبر في خطاب تنصيبه أن مالي الغارقة في أزمة سياسية واجتماعية وأمنية «لم تعد تحتمل ارتكاب الأخطاء»، لذا «تدخلنا أمس، بوضع البلاد فوق كل شيء، مالي أولاً». جاء ذلك غداة تعهّد العسكريين الذين قادوا الانقلاب، بالإشراف على انتخابات خلال إطار زمني «معقول»، مؤكدين أنهم لا يطمحون إلى السلطة بل «لتحقيق الاستقرار في البلاد». ودعا الناطق باسمهم، الكولونيل اسماعيل واغي، «المجتمع المدني والحركات السياسية إلى تهيئة أفضل الظروف من أجل انتقال سياسي مدني يفضي إلى انتخابات عامة ذات مصداقية». وأكد الالتزام بتطبيق كل الاتفاقات السابقة: «مينوسما (بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي) وقوة برخان (الفرنسية لمكافحة الجهاديين) وقوة مجموعة دول الساحل الخمس، وقوة تاكوبا (تجمّع قوات خاصة أوروبية مكلّفة بمؤازرة الماليين في المعارك) ستبقى شريكة لنا»، مضيفاً أن العسكريين «متمسكون بمسار الجزائر»، اتفاق السلام الموقّع عام 2015 بين باماكو والجماعات المسلّحة في شمال البلاد.
في هذا الوقت، عزّز المجتمع الدولي الضغوط على المتمرّدين؛ وفي أعقاب قمة طارئة للاتحاد الأوروبي، دعا التكتُّل إلى الإفراج «الفوري» عن المسؤولين الماليين المعتقلين و»عودة دولة القانون» إلى مالي. ومعلقاً على التطورات، اعتبر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن «مكافحة التنظيمات الإرهابية والدفاع عن الديموقراطية ودولة القانون لا ينفصلان»، داعياً إلى إعادة السلطة إلى «المدنيين» و«تحديد مسار للعودة إلى النظام الدستوري». وعلى لسان وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، دانت الولايات المتحدة «بشدّة» استيلاء الجيش على السلطة في مالي، وطالبت بضمان «حرية وأمن المسؤولين الحكوميين» المعتقلين. بدورها، أعربت الجزائر التي تتشارك مع مالي حدوداً بطول 1400 كيلومتر، والتي أدت دوراً بارزاً في محادثات السلام المالية، عن «رفضها القاطع لأي تغيير غير دستوري للحكم» في جارتها الجنوبية.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا