كامالا هاريس... عضو مجلس شيوخ ومرشحة سابقة للرئاسة الأميركية، عادت إلى الساحة الانتخابية، هذه المرة، من باب الترشّح لمنصب نائب الرئيس. المرأة التي احتفى بها الإعلام السائد، على أنها أوّل مدّعية عامّة سوداء لولاية كاليفورنيا، وأول امرأة في هذا المنصب، وأول امرأة من أصول جنوب آسيوية تفوز بمقعد في مجلس الشيوخ الأميركي، يتطلّع جو بايدن والحزب الديموقراطي إلى أن تكون أول امرأة تشغل منصب نائب الرئيس.طبعاً، ما يتبادر إلى الذهن هو أنّ اختيار هاريس يمثّل أحدث دليلٍ على أهمية مراعاة الجنس والعرق في الحسابات الانتخابية الأميركية. وعلى رغم أنّ العديد من الاستراتيجيين ــــــ بالتوازي مع نظرة سريعة على التاريخ الحديث ــــــ يؤكّدون أنّ اختيار نائب الرئيس لا يؤثّر غالباً على المسار الانتخابي، يبقى هناك من يشدّد على رمزية الخيار.
بمعنى آخر، لا يُتوقّع أن تزاحِم هاريس، التي تنحدر من أصولٍ جامايكية ـــــ هندية، على الخريطة الانتخابية. ولكن إن كانت رمزية اختيارها تكمن في شيء، ففي أملٍ ديموقراطيٍ بأن يؤدي حضورها على الساحة الانتخابية إلى زيادة الإقبال، فضلاً عن تعزيز موقع بايدن في الولايات التي خسرتها هيلاري كلينتون، في عام 2016، وذلك في جزء كبير منه بسبب انخفاض الأصوات في المجتمعات ذات الغالبية السوداء. ويشمل هذا الأمل، المدن الكبرى في الولايات الصناعية التي فاز فيها دونالد ترامب، مثل ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن، حيث لم يحصل الديموقراطيون على النتيجة التي حقّقوها عند ترشّح باراك أوباما. وأبعد من ذلك، يأمل الديموقراطيون أن تُحدث هاريس فرقاً في الولايات ذات الميول الجمهورية، والتي توجد فيها نسبة كبيرة من السكان السود، مثل نورث كارولينا وجورجيا. كما يتطلّع هؤلاء إلى أن تجذب المعتدلين في الولايات المتأرجِحة، لا سيما في مناطق الضواحي، حيث الاعتماد على الدعم المتزايد من النساء.
يأمل الديموقراطيون في أن تعزّز هاريس موقع بايدن في بعض الولايات


المكاسب من اختيار هاريس واضحة إذاً؛ فبصفتها سياسية تنتمي إلى ما يسمّى «يسار الوسط» من ذوي الخبرة، سيساعد وجودها على تعزيز أوراق اعتماد بايدن المعتدلة. هذا من دون إغفال واقع أنّها في سن الـ55، توازِن الدفّة مع الشباب. وهي تعرف جيداً أنّها مفوّهة و«مناظِرة قديرة»، وهو ما يتوقّع الديموقراطيون أن يكون عامل قوة. فبالنظر إلى أنّ انتشار فيروس «كورونا» قد أدى إلى الحدّ من حضور بايدن في الحملات الانتخابية، تتمحور مهمّة هاريس، في المناظرة التي ستجمعها مع نائب الرئيس مايك بنس، في الإسهاب في انتقاد دونالد ترامب، إذ يعوّل الديموقراطيون على تاريخها في هذا المجال، خصوصاً أنها اكتسبت شعبية على المستوى الوطني، بعد استجوابها المكثّف للعديد من مرشّحي الرئيس الحالي، بمن فيهم قاضي المحكمة العليا بريت كافانو، ووزير العدل السابق جيف سيشنز، خلال جلسات الاستماع الخاصة بهم في مجلس الشيوخ. بل إنّ هناك من يذهب أبعد من ذلك، ويرى أنّ اختيار بايدن لهاريس، يوضح نيّته أن يكون رئيساً انتقالياً، فهي قد تطغى عليه خلال الحملة الانتخابية بطرق عديدة، ويبدو أنه لا يمانع في ذلك. ويمكن القول إنّ ما أراد بايدن، ومن ورائه الحزب الديموقراطي، تجنّبه، باختياره هاريس، هو التسبّب في أيّ نوع من الإلهاء الإعلامي، أي تجنّب دفع الإعلام إلى البحث عن التاريخ السياسي لمرشّح غير معروف، خصوصاً في حال كان هذا الأخير سيكمل الطريق إلى الرئاسة لاحقاً.
لهاريس مزايا أخرى، من وجهة نظر الكثير من وسائل الإعلام الأميركية، فهي من المحتمل أن تُسهم في جلب أموال طائلة إلى حملة بايدن. يقول أندرو وينستاين، عضو لجنة المال التابعة للحملة، في حديث إلى مجلّة «ذي أنتلانتك»، إنّ لدى هاريس «سجلاً حافلاً في جمع التبرّعات»، مؤكداً أنّ «الإعلان عن اختيارها سيثير نجاحاً كبيراً مع الكثير من المانحين الديموقراطيين». وما يعزّز هذا الكلام، هو ما ذكرته «نيويورك تايمز»، التي أشارت إلى أنّ «وول ستريت تبدو سعيدة بالإشارات التي ترسلها هاريس». وتوضح الصحيفة أنّ هذه الأخيرة «كانت الخيار الأكثر اعتدالاً من بين المرشحين الأكثر ميلاً إلى اليسار، والذين ربّما اتخذوا موقفاً صارماً في مقاربتهم للمؤسسات المالية». الحماسة لهاريس تنتقل إلى «وادي السيليكون»، أيضاً، الذي يبدو بدوره سعيداً برؤية وجهٍ مألوف. فوفق «نيويورك تايمز»، بدأت هاريس حياتها المهنية في منطقة خليج سان فرنسيسكو، وبقيَت عنصراً أساسياً في دوائر جمع الأموال هناك لعقود. ويبدو أنّ المديرين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا، متحمّسون لترشّحها، حتى إنهم مطمئنّون إلى موقفها الحذر إزاء الكثير من الأمور، مثل تفكيك أكبر شركات التكنولوجيا.
ولكن رغم أنّ بايدن، والديموقراطيين، سعوا إلى أكثر الخيارات أماناً، إلّا أنّ ذلك لا يعني أنه لا توجد نقاطٌ سلبية قد تُستغَل ضدّ هاريس، إعلامياً وانتخابياً. فهي لم تكن مرشحة رئاسية قوية، كما أنّ حملتها كانت غير مركَّزة وغير منتظمة. ويزعم منتقدوها أنّها كانت مدفوعة بالكثير من الطموح، وقليلٍ من أشياء أخرى أساسية.
وبصفتها مدعية عامّة سابقة وامرأة سوداء وحيدة في مجلس الشيوخ، وجدت هاريس نفسها في قلب نقاشٍ وطنيٍ متزايد حول قضايا العدالة العرقية والاجتماعية. حتى في الوقت الذي سعت فيه إلى تصوير نفسها على أنها «مدعية عامة تقدّمية»، تعرّض سجلّها في الادعاء للتدقيق من التقدميين، الذين وصفوها، بسخرية، بأنها «شرطية» أثناء ترشّحها للرئاسة. تضمّن هذا السجل عملها على إبقاء الناس في السجن، في بعض الحالات حين كانت هناك أدلّة على الإدانة الخاطئة، إضافة إلى عدم مطالبتها بالتحقيق عندما تعلّق الأمر بإطلاق الشرطة النار. وقد رأى النقّاد اليساريون، أنها لم تفعل ما يكفي لتفريغ السجون المزدحمة في كاليفورنيا، فيما انتقدوا الطريقة التي روّجت فيها هاريس لمعدّلات مقاضاتها وإدانتها. ورغم أنّها أعلنت نفسها معارضة لعقوبة الإعدام مدى الحياة، فهي أثارت غضب العديد من التقدميين عندما استأنفت، بصفتها مدعية عامّة في كاليفورنيا، قرار قاضٍ اعتبر أنّ عقوبة الإعدام غير دستورية.



حرصٌ على محاباة «إيباك»

لم يمضِ وقت طويل على انتخابها كعضوٍ في مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا، وقبل فترة طويلة من ترشّحها للرئاسة، كانت كامالا هاريس نجمة في مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأميركية ـــــ الإسرائيلية (AIPAC)، الذي عُقد في عام 2017. حينها، قالت: «بعدما نشأت في منطقة الخليج (خليج سان فرنسيسكو)، أنا أتذكّر باعتزاز العُلَب التابعة للصندوق القومي اليهودي، تلك التي كنّا نستخدمها لجمع التبرّعات لزراعة الأشجار لإسرائيل». تلت ذلك، رحلة إلى إسرائيل والضفة الغربية، والتي زارتها مع زوجها اليهودي، دوغ إمهوف، الذي كانت قد تزوجت به، عام 2014. هاريس في رعاية قرار في مجلس الشيوخ، في كانون الثاني/ يناير 2017، ينتقد الرئيس باراك أوباما ـــــ في الأسبوع الأخير له في منصبه ـــــ بسبب امتناعه عن التصويت على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يدين سياسات الاستيطان الإسرائيلية. في العام التالي، عندما بدأت تتطلّع إلى الترشيح الرئاسي لعام 2020، لم تظهر هاريس علناً، لكنّها حضرت بهدوء جلسة غير رسمية، خلال مؤتمر «إيباك»، تمّ الكشف عنها لاحقاً على وسائل التواصل الاجتماعي. بعد ذلك، في عام 2019، وبعدما تعرّض المرشّحون الديموقراطيون لضغوط من أجل مقاطعة المؤتمر، بقيَت هاريس بعيدة ــــ لكنّها حرِصت على نشر الصور مع قادة «إيباك» في مكتبها في الـ«كابيتول هيل»، حيث واجهت انتقادات لاحقة من الجناح اليساري للحزب.
مثل بايدن، تؤيّد هاريس بقوّة حلّ الدولتين. وقد أفرحت لجنة الشؤون العامة الأميركية ـــــ الإسرائيلية، وغيرها من الدوائر «الموالية لإسرائيل»، بالتحدُّث علانية عن «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» من هجمات «حماس» من قطاع غزة، وبالقول إنها لم تعتقد بأنّ الولايات المتحدة يجب أن تضغط على إسرائيل من أجل السلام مع الفلسطينيين، لأنّ القرار «لا يمكن أن يفرضه أطراف خارجيون». ولكن من المؤكد أنّ هذه الأوساط كانت أقلّ حماسة لتصريحاتها، خلال السباق التمهيدي، حين أيّدت فكرة عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاقية النووية الإيرانية في ظلّ إدارة جديدة، لكنّها «تتطلّع إلى توسيعها».
(الأخبار)

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا