وسط الصمت الرسمي الإسرائيلي، حتى الآن، إزاء الاتفاقية الصينية ــ الإيرانية المرتقبة، عمد المعلقون الإسرائيليون إلى محاولة تظهير الأجواء في تل أبيب. مع ذلك، لا يغير هذا الصمت المؤقت من حقيقة حضور هذا المسار بقوة لدى جهات التقدير والقرار، إذ ليس من الصعوبة استشراف تقديرات الجهات المختصة لهذا الحدث الذي سيشكل، بعد التوقيع على الاتفاقية، محطة مفصلية في حركة الصراع الدولي والإقليمي، وتحديداً في مواجهة الحرب الاقتصادية الأميركية ضد الجمهورية الإسلامية. خصوصية الاتفاقية في السياق الدولي والإقليمي الحالي أنها تجسّد تعاوناً بين الخصمين اللدودين للولايات المتحدة. فمن جهة، هي تشكل تعزيزاً لاستراتيجية الصينيين، «حزام واحد طريق واحد»، التي يدفعون بها قدماً عبر بناء موانئ وقيادة مشاريع بنى تحتية ضخمة في أنحاء العالم، والتي تسعى واشنطن إلى إحباطها وتطويقها، ومن جهة أخرى، تشكل التفافاً على الحصار الاقتصادي الذي تراهن عليه الأخيرة من أجل إخضاع طهران وإضعافها، فيما يجري الحديث عن استثمار بنحو 400 مليار دولار على مدى 25 عاماً. من هنا، كان تقدير نتائج الاتفاقية في صحيفة «يسرائيل هيوم» أنها ستؤدي إلى واقع استراتيجي جديد ينتج عنه تغيير في قواعد اللعبة في الشرق الأوسط. خلال السنوات الماضية، أبدت تل أبيب حرصاً شديداً على تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع بكين، إلى درجة أن واشنطن اضطرت إلى رفع بطاقة حمراء للحد من اندفاعها بعيداً في هذا المسار. لكن هذا لم يحل دون أن يرى معلق الشؤون العسكرية في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، في الاتفاقية «اصطفافاً صينياً واضحاً إلى جانب إيران سيخفّف الضغط عنها»، وهو التحدي الأهم من منظور كيان العدو، لأنه وسط الضغوط القصوى الاقتصادية لم تقدم طهران أي تنازلات في أي من القضايا النووية والصاروخية والموقف من فلسطين وقوى المقاومة، فكيف سيكون الأمر بعد تعزيز وضعها. في مدى أبعد، لم يستبعد هرئيل أن تشكل الصين «في ظروف أكثر تطرفاً... توازناً مضاداً في حال احتكاك أميركي ــ إسرائيلي مع النظام الإيراني حول البرنامج النووي». وتوَّج معلق الشؤون العسكرية تقديره بدعوة واشنطن وتل أبيب أن تأخذا في الحسبان وبجدية رد فعل بكين على أي تصعيد اقتصادي ضد الجمهورية الإسلامية.
ما يثير الاهتمام الأميركي والإسرائيلي في الاتفاقية هو البنود التكنولوجية والعسكرية


في الاتجاه نفسه، جاءت مقاربة معلق الشؤون العسكرية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، الذي رأى في الاتفاقية «طوق نجاة للاقتصاد الإيراني الغارق تحت العقوبات الأميركيّة»، وفي الوقت نفسه أنه «سيعزز مكانة الصين كقوّة دولية، وانخراطها في الشرق الأوسط». وهو إضافة إلى ذلك سيوجّه ضربة قويّة إلى سياسات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الشرق الأوسط، ومكانة الولايات المتحدة كقوّة دوليّة. وطبقاً لتحليله، ما يثير اهتمام إسرائيل والولايات المتحدة خاصّة الجزء المتعلّق بالتعاون التكنولوجي والعسكري، كما ينصّ الاتفاق على «تعاون للدفاع السيبراني». وبخصوص التداعيات، توقع بن يشاي أن تترك الاتفاقية آثاراً على العلاقات الإسرائيلية ــ الصينية، لأنها ستقوّض مكانة الولايات المتحدة العالمية، كما أنها ستُعزز مكانة إيران وقوتها في مواجهة المساعي الأميركية والإسرائيلية لإحباط البرنامج النووي. وفي إطار التداعيات، رأى بعض المعلقين أن التوقيت السياسي لتزخيم الدفع نحو الاتفاقية ينطوي على مؤشر سلبي لتل أبيب وواشنطن، كأنه إصبع في عين ترامب، وتعبير عن توجه صيني معارض لأي عقوبات إضافية من مجلس الأمن على إيران.
في المقابل، لا يُتوقع أن تبقى إسرائيل مكتوفة الأيدي أمام التعاون التصاعدي بين بكين وطهران، بل قد تحاول تنشيط قنواتها الدبلوماسية مع العاصمة الصينية لمحاولة ثنيها عن هذا الخيار، أو التأثير في مضمونه. في هذا السياق، دعت صحيفة «جيروزاليم بوست» إلى عدم منح الصين مناقصات ضخمة في البنى التحتيّة الإسرائيليّة من المقرّر أن تقدّم أوراقها نهاية الشهر المقبل، مع الإشارة إلى أن جميع الشركات الصينية العاملة في إسرائيل مملوكة للحكومة مباشرة أو غير مباشرة. لكن الصحيفة قالت إن هذا الموقف ليس تلبية لمصالح أميركية، وإنما هو تحقيقٌ لمصالح الأمن القومي الإسرائيلي.