تشهد الاحتجاجات في الولايات المتحدة، بعد أسبوعين على انطلاقها غداة مقتل جورج فلويد، أكبر تجمّعات ومسيرات حتى الآن، ولا سيما في العاصمة، كما جرى خلال اليومين الماضيين، أي منذ السبت الذي وصف بأنه «الأول من نوعه» منذ اندلاع الانتفاضة، وذلك لناحية غياب أعمال العنف بصورة شبه كاملة. في واشنطن، تظاهر عشرات الآلاف عند نصب لينكولن التذكاري، قبل أن يتوجّهوا في مسيرة نحو البيت الأبيض مردّدين: «لا أستطيع التنفس»، و«ارفعوا أياديكم... لا تطلقوا النار». إثر ذلك، أعلن رئيس بلدية نيويورك، صباح أمس، إنهاء فرض حظر التجوّل الليلي الذي كان يفترض أن ينتهي بعد يوم.في هذا الوقت، كان الرئيس دونالد ترامب يأمر بسحب «الحرس الوطني» من واشنطن «بعدما صار كل شيء تحت السيطرة»، وفق ما غرّد على «تويتر»، قبل أن يستدرك: «بإمكانهم العودة سريعاً إذا اقتضى الأمر. متظاهرون عددهم أقل بكثير مما كان متوقعاً أمس (السبت) مساء». تقليل ترامب من شأن كبريات التظاهرات عكس التوتّر الذي تعيشه إدارته، وسط انقسامات في الآراء من جهة، وعدم تجاوب البنتاغون مع طموح الرئيس إلى نشر العسكر. كما نقلت وكالة «رويترز» عن مصدر وصفته بـ«مسؤول أميركي كبير»، أن ترامب قال لمستشاريه، الأسبوع الماضي، إنه يريد نشر عشرة آلف جندي في العاصمة. وفق هذه الرواية، شهد الاجتماع العاصف في المكتب البيضاوي خلافات في الرأي، وتمسّك كل من وزير الدفاع مارك إسبر، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي، ووزير العدل وليام بار، برفض نشر القوات، في حين رغب ترامب حتى في تحريكها بالحد الأدنى.
شهد الاجتماع العاصف في المكتب البيضاوي خلافات في الرأي


بالعودة إلى الشارع، ظل الزخم تصاعدياً، إذ شهدت مدينة فيدور في ولاية تكساس تجمّعاً من السود والبيض حملوا لافتات كتب عليها: «حياة السود مهمّة». ويعد وصول التحركات المتعاطفة مع قضية العنصرية سابقة في تكساس التي عادة ما ينظر إليها على أنها معقل البيض العنصريين، إذ كانت من المناطق التي تمنع السود من التجوّل ليلاً، ولطالما ارتبط اسمها بالتنظيمات العنصرية، كجماعة «كو كلوكس كلان». هذا الزخم جعل الشعارات الغاضبة تتحوّل سريعاً إلى حركة مطلبية، إذ بدأت تتركّز التحرّكات على إحداث إصلاحيات عملية لنظام العدالة الجنائية ومعاملة الأقليات.
أما الحزب الديموقراطي، فيسارع إلى تلقّف ما يجري، معلناً أمس أنه سيدفع باتجاه إصلاحات. ومن المنتظر أن تقدّم، اليوم، كتلة الأعضاء السود في الكونغرس اقتراح قانون لتفعيل آليات محاسبة الشرطة، عبر تسهيل مقاضاة عناصرها وحظر التوقيف القائم على الخنق وطلب كاميرات تثبّت على زي الشرطي، وأيضاً إعداد قاعدة بيانات وطنية لتسجيل سلوكهم. وقالت عضو اللجنة الدائمة عن فلوريدا فال ديمينغز، وهي النائب المحتمل لجو بايدن، إنه يجب إعداد تشريعات لضمان الإصلاح و«محاسبة الشرطة، وتوفير الرقابة اللازمة لذلك، والنظر في معايير التدريب وفي سياسات استخدام العنف وفي آليات التوظيف وفي التنوع».
في المقابل، لم يصدر أي موقف عن إدارة ترامب تجاه مطالب الشارع، بل إن الوزير بار رفض أي خطوة تحدّ من حصانة أفراد الشرطة، قائلاً: «لا أعتقد أن هناك ضرورة لتقليص الحصانة من أجل ملاحقة شرطيين سيئين، لأن هذا الأمر سيؤدي حتماً إلى تراجع الشرطة «عن أداء واجبات إنفاذ القانون. وفي حين كان ترامب يتلقى انتقادات حادة من جمهوريين، ككوندليزا رايس وكولن باول، مضى منافسه الديموقراطي في الانتخابات المقبلة، جو بايدن، في استغلال اللحظة. وكما نقل عن مصادر قريبة من الأخير، سيسافر بايدن إلى هيوستن اليوم ليلتقي أسرة فلويد.