للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل، يمثُل رئيس حكومة أمام المحكمة بتهم جنائية، وذلك بعدما استنفد بنيامين نتنياهو محاولات استمرّت ثلاث سنوات، لجأ فيها إلى الأساليب كافة من أجل قطع الطريق على هذا المشهد الذي تابعه الإسرائيليون مدهوشين: كيف أن رئيس حكومتهم يُحاكَم بتهم بالفساد والرشوى. لكن نتنياهو لم ينجح في ذلك، وإن كان استطاع تأخيرها وإحاطتها بأجواء تشكيكية إزاء مصداقية القضاء وأجهزة تنفيذ القانون، مع الإشارة إلى أن رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت تمّت محاكمته بعد استقالته من منصبه وليس خلال تولّيه المنصب. وانطلقت محاكمة نتنياهو بعد ظهر الأحد الماضي أمام المحكمة المركزية في القدس المحتلّة حيث يواجه تهم فساد في ثلاثة ملفات أساسية، كانت وحدة التحقيقات في الشرطة قد حقّقت معه بشأنها لعامين، وخلُص المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، إلى أن ثمّة ما يكفي من القرائن لإدانة نتنياهو بها.من أجل تفادي هذه اللحظة، أدخل نتنياهو إسرائيل في أزمة غير مسبوقة بقيت فيها الدولة تديرها حكومة انتقالية ترأسها لمدة تجاوزت 500 يوم. حتى الجلسة الأولى للمحاكمة، التي لم تدُم إلّا أكثر من ساعة، حاول نتنياهو ألّا يحضرها لكن المحكمة رفضت طلبه الملحّ بمنحه إذن التغيّب عن افتتاح محاكمته. وقرّرت أيضاً منع بثّ المحاكمة على الهواء مباشرة، والهدف وفق محللين إسرائيليين السماح للشهود للإدلاء بشهاداتهم بحرية وبدون ضغط. وتقرّر أيضاً أن تُعقد الجلسة المقبلة في 19 تموز/ يوليو المقبل، بدون مشاركة نتنياهو، علماً أن الجلسة الأولى كانت إجرائية فقط.
اتّباعاً للمخطّط الذي ينتهجه نتنياهو منذ اللحظات الأولى للشك فيه، عمد إلى الظهور بمشهد الضحية، فشنّ هجوماً حادّاً على القضاء بهدف تحويل محاكمته بجرائم فساد إلى محاكمة لحزبه، «الليكود»، ولمعسكر اليمين، كما يكرّر ذلك على الدوام. وقال عند دخوله المحكمة إن الهدف من المحاكمة «القضاء على إرادة الشعب واليمين»، معتبراً أن محاكمته تأتي كخيار بديل «عن فشل اليسار في فعل ذلك عبر صناديق الاقتراع، وعندئذ قامت جهات في الشرطة والنيابة العامة بالتحالف مع صحافيي اليسار، من أجل اختلاق ملفات لي».
يشبّه كثيرون أجواء التحريض الحالية بما سبق اغتيال رابين


في هذا السياق، رأى محلّل الشؤون الحزبيّة في صحيفة «هآرتس»، يوسي فيرتر، أنّ خطاب نتنياهو يعني كأنه يقول للجالسين في المحاكمة: «اعلموا أن دوركم هو التالي»، بعدما شنّ هجمات على الشرطة والادّعاء والمستشار القضائي للحكومة. وفي هذا الصدد، هاجم مسؤولو ووزراء «الليكود» المحكمة العليا، بل وصف رئيس الكنيست، ياريف لافين، المحاكمة بأنّها «نقطة حضيض وصلت إليها المنظومة القضائيّة» في إسرائيل. كذلك، تجمّع أنصار نتنياهو أمام المحكمة حاملين لافتات تندّد بالمحاكمة وتدعو إلى سجن مندلبليت، كما كرّروا ادّعاءات مثل أن المحاكمة هي «محاكمة لكلّ اليمين»، وأنها «مؤامرة مدبّرة ضد نتنياهو».
هذه المواقف دفعت رئيس قسم التحقيقات في «هآرتس»، غيدي فايس، إلى التحذير من أن تنتهي أجواء التحريض التي يتبعها نتنياهو «بالدماء»، عارضاً حول ذلك سيناريو محتملاً يقدم فيه شخص لفعل شيء لإنقاذ الدولة فيستهدف حياة «مهندسي الخراب الذي يهدّد الدولة»، في إشارة إلى أعضاء النيابة والادعاء والقضاة. أيضاً أتت مقارنة محلّل الشؤون السياسيّة في صحيفة «معاريف»، بن كسبيت، بين خطاب نتنياهو التحريضي والأجواء التي رافقته، وبين الأجواء التي سبقت اغتيال رئيس الحكومة الأسبق، إسحاق رابين، عام 1995. وعلى خلفية هذه الأجواء، بادرت الشرطة وجهاز الأمن العام (الشاباك) إلى تعزيز وجودهما الأمني في المنطقة، وأخليا مداخل المحكمة الواقعة في شارع «صلاح الدين»، وفرضا حماية أمنية على القضاة الثلاثة وعلى كبار المدّعين.
يُذكر أن نتنياهو يخضع للمحاكمة في ثلاث قضايا. الأولى الملف 1000، ويشمل اتهامات له بالحصول على منافع شخصية من المنتج السينمائي أرنون ميلتشين وآخرين، تزودت بموجبها عائلة نتنياهو بصناديق شمبانيا وعلب سيجار على مدار سنوات تصل قيمتها إلى مئات آلاف الشواقل. في مقابلها، عمل نتنياهو على الدفع بمصالح ميلتشين التجارية. والثانية الملف 2000 الذي تضمن اتهامات له بمحاولة التوصل إلى اتفاق مع ناشر صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أرنون موزس، للحصول على تغطية إيجابية في الصحيفة، مقابل إضعاف «إسرائيل اليوم» المنافسة. وأخيراً الملف 4000، وهو الأكثر خطورة إذ يتضمّن اتهامات لنتنياهو بإعطاء مزايا وتسهيلات مالية للمساهم المسيطر في شركة الاتصالات «بيزك»، شاؤول ألوفيتش، مقابل تغطية إيجابية في الموقع الإخباري المملوك لآلوفيتش، «والّا».