مما يغذي رهانات القيادتين الأميركية والإسرائيلية أنهم لم يروا من الطرف الفلسطيني (التسووي) سوى الانتظار السلبي الخالي من أي مبادرة عملانية، كما لم يلمسوا أي ترجمة لمواقف الرفض لصفقة ترامب. النتيجة العملية لذلك، على المدى المتوسط، رهان طارحي الصفقة على إمكانية تعايش طرف فلسطيني مع الوقائع التي سيجري فرضها، تماماً كما تم تبرير تقاسم فلسطين. هكذا، تراهن الخطة الأميركية ــ الإسرائيلية على حشر الفلسطينيين بين خيارين: تقديم اقتراح بديل عن مخطط ترامب، أو الامتناع عن ذلك. إن تبنوا الخيار الثاني، فسيشكل ذلك ذريعة لتبرير شرعنة مبادرة العدو في تنفيذ الضم، وسيتحمل كالعادة الفلسطينيون المسؤولية، بتهمة أنهم فوَّتوا فرصة كان يمكن لهم بها تخفيف الأضرار.
من يقبل أن يفرّط بـ78% من فلسطين، يمكن أن يعيد التجربة في ما تبقّى
بذلك، سيقدَّم الطرفُ الفلسطيني الرسمي كأنه ليس لديه طرح بديل مع أنه معلن منذ «أوسلو»، وسبق أن كرّره رئيس السلطة، محمود عباس، وسائر المسؤولين الفلسطينيين الرسميين، ويقوم على التمسك بدولة على حدود 67 مع تبادل للأراضي، وحل «عادل» متفق عليه لقضية اللاجئين، ومؤتمر دولي يحرر التسوية من التفرّد الأميركي في رعاية المفاوضات، مع تأكيد أن هذا المسار ثبت بالتجربة أنه لم يكن سوى وهم تم تسويقه في الشارع الفلسطيني، ومنح العدو الوقت والمشروعية لفرض سياساته الاستيطانية.
وإن تبنوا الخيار الأول، فقد يكونون قد وقعوا في فخ اقتراح بديل سيؤدي إلى انزلاقهم سريعاً إلى التفاوض بناءً على قاعدة رؤية ترامب. وهذا سيشكل انقلاباً على المرجعيات التي طالما استند إليها أنصار التسوية كقاعدة لأيّ مفاوضات (بعيداً عن موقف الرفض المطلق لتقسيم فلسطين بين المحتل وشعبها). مع ذلك، ليس من المبالغة القول إن أي خطأ جديد تحت عناوين المرونة والواقعية السياسية سيؤدي هذه المرة إلى تداعيات أشد خطورة من نتائج «أوسلو» وما أعقبه من وقائع فرضها العدو تحت مظلة المفاوضات. وسيؤدي بالضرورة إلى التسليم بالسقف البديل الذي فرضه اليمين بدعم واشنطن، ويقوم على أساس شرعنة الوقائع الاستيطانية التي فرضها الاحتلال.
إن نجحت عملية الاستدراج (لبعض الفلسطينيين) بالجلوس على طاولة المفاوضات تحت شعار التخفيف من شرورها ومخاطرها، فيعني ذلك شرعنة الانتقال من القبول بتقاسم فلسطين (المرفوض في أصله وتفاصيله) إلى القبول بتقاسم الضفة؛ من الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى المزيد من الصراعات الفلسطينية ــ الفلسطينية.