يعدّ قانون نقل العاصمة الإيرانية، من طهران إلى مدينة أخرى في البلاد، من القوانين القديمة التي صوّت عليها البرلمان بالأكثرية في أكثر من مناسبة، منذ عهد الرئيس محمد خاتمي حتى اليوم، لكنه لم ينفذ نظراً إلى صعوبة التطبيق والكلفة الباهظة التي يتطلّبها، بالإضافة إلى معارضة بعض الشخصيات البارزة لهذا القرار على مرّ السنوات. القانون، الذي أثاره من جديد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد في ولايته الثانية ودعمه أيضاً الرئيس حسن روحاني فور تسلّمه السلطة ودعا إلى تطبيقه في أقصر وقت، صعد إلى الواجهة من جديد بعد الزلزال الذي تعرّضت له طهران الأسبوع الماضي، وبلغت قوته خمس درجات على مقياس ريختر.ينص القرار على النقل الجزئي أو الكلي للعاصمة أو اتخاذ عاصمة تجارية والإبقاء على طهران عاصمة سياسية فقط، وذلك للحدّ من التلوث والاكتظاظ السكاني الهائل، إضافة إلى تفادي الخسائر الكبيرة لمدينة معرّضة للكوارث الطبيعية بين حين وآخر. لكن عارضته شخصيات بارزة؛ أبرزها رئيس البرلمان، علي لاريجاني. الأخير لطالما عارض المشروع بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة والتحدّيات الراهنة والعقوبات. أما النائب المحافظ محمد أنصاري، فيرى أن هذا القرار يعود إلى المرشد، وبآلية يحددها هو، ولا يكفي أن يصوّت عليه برلمان أو حكومة. اليوم، بعد عودة الهزات الأرضية بنمط مقلق، ولا سيما الهزة الأخيرة التي نشرت الذعر في العاصمة ودفعت السكان إلى النزول من بيوتهم والانتشار في الحدائق العامة أو ملازمة سياراتهم، يقفز المشروع إلى الواجهة. لكن النقاش يتركّز هذه المرّة على إبقاء طهران عاصمة سياسية، واختيار عاصمة تجارية للبلاد، بما يعني التخفيف من مركزية طهران، وذلك على عكس ثنائية أنقرة وإسطنبول في تركيا، إذ إن إسطنبول عرضة لخطر الزلازل هي الأخرى.
سيكون المشروع على رأس جدول أعمال الحكومة المقبلة


يقول عضو مركز «جيوبوليتيك» عباس أصلاني لـ«الأخبار»، إنه عند طرح المشروع كان عدد سكان طهران 12 مليون نسمة، ولكنه بلغ حالياً خلال أيام العمل العادية نحو 20 مليوناً، «وهذا رقم ضخم جداً، ناهيك عن احتلال العاصمة مركزاً متقدّماً من حيث المدن الأكثر تلوثاً في العالم». ويضيف أصلاني: «العمل الجدّي على تطبيق خطّة النقل بات مطلوباً رغم العوائق الاقتصادية، فهذا من شأنه تأمين الحماية لبلد معرّض كل قرن لزلزال مدمّر، وفق خبراء الجغرافيا الإيرانيين... مهما كانت كلفة النقل صعبة، ستكون بلا شك أسهل من الكارثة التي قد تحلّ على المؤسّسات والسكّان، وهذا ما أثار الذعر في نفوس الناس» بعد الهزّة الأخيرة. كما يشدّد على أهمية وضع الحجر الأساس في إحدى المدن المرشحة، مثل: أصفهان (عاصمة الدولة الصفوية)، زنجان، سمنان... «ولو على الصعيد الاقتصادي فقط، مثلما فعلت بعض الدول كالصين وباكستان».
أما الباحث السياسي حسن هاني زاده، فيرى أنه برغم أهمية المشروع، فإنه ليس سهلاً، لأن «العقوبات الاقتصادية والظروف الراهنة على مرّ أربعة عقود من الطبيعي أن تشكّل عائقاً لتنفيذ مثل هذا القانون الذي يهدف إلى تخفيف نسبة السكّان في طهران إلى حد أربعة ملايين فقط، أي نحو 25% من عدد السكان والعمّال الحالي، وهذا أمر شبه مستحيل». والخطة موضوعة منذ سنوات، وتبلورت في عهد نجاد، لكن من المنطقي، طبقاً لهاني زاده، ألا تنفذ مقارنة بكلفتها الباهظة وصعوبة نقل المؤسّسات، مع العلم أنه في عهد روحاني تم العمل على آلية محدّدة في ما يتعلّق بالاستثمارات والشركات الاقتصادية، وذلك بإعطاء حوافز وتخفيفات ضريبية للاستثمار خارج العاصمة، وقد أفلحت هذه الخطوة في انتعاش بعض مدن الشمال والجنوب، مثل سمنان وتبريز وشيراز ومشهد، والتخفيف النسبي عن طهران.
يرى خبراء إيرانيون أن مشروع نقل أجزاء من العاصمة إلى مدن أخرى سيكون على رأس جدول أعمال الحكومة المقبلة، وقد تكون الوجهة ميناء بندر عباس في الجنوب الإيراني والأهواز، كأبرز المناطق المرشّحة لأن تأخذ دور العاصمة الاقتصادية، نظراً إلى نشاط حركة الملاحة فيها وقدرة استيعابها، فضلاً عن وجود أكبر حقول النفط والغاز والمصافي على مقربة منها وموقعها الجغرافي على قرب الخليج والحدود مع العراق.