كلّما تفاقمت الأزمة الصحية وتداعياتها الاقتصادية، اشتدَّ الصراع السياسي في الولايات المتحدة؛ دونالد ترامب يسعى بأيّ ثمن إلى مواصلة مهمّاته الرئاسية لأربع سنوات إضافيّة، ويتقدّمه خصومه في الحزب الديموقراطي، جنباً إلى جنب وسائل الإعلام الليبرالية، بتسليط الضوء على إجراءات متأخّرة وغير متّسقة اتّبعتها إدارته في مواجهة الوباء. إجراءاتٌ باتت، وفق شهادة أدلى بها مسؤول حكومي سابق أمام لجنة فرعيّة في مجلس النواب، تُهدِّد البلاد بموجة وبائية ثانية أشدّ فتكاً من تلك الراهنة. قبل يومين، دقّ ريك برايت ناقوس الخطر حول الإجراءات غير المناسبة المتبعة لمكافحة انتشار فيروس كورونا بعدما اقترب عدد الإصابات من مليون ونصف مليون حالة، في موازاة ارتفاع عدد الوفيات إلى نحو 88 ألفاً. برايت، الذي أقيل الشهر الماضي من منصبه في رئاسة «هيئة البحث والتطوير المتقدّم للطب الحيوي» (باردا) (الوكالة المكلّفة تطوير لقاح ضدّ «كورونا») الحكوميّة، قدّم الأسبوع الماضي شكوى كمبلّغ عن مخالفات بعد خفض رتبته، بسبب معارضته استخدام أدوية «كلوروكين» و«هيدروكسي كلوروكوين» المضادة للملاريا لمعالجة مرضى «كوفيد ــــ 19»، وهو علاج روّج له ترامب مراراً، رغم الأدلّة العلميّة القليلة على نجاعته.في حالة فشلها في نشر أدوات مواجهة منسّقة لـ«كورونا»، حذّر برايت من إمكان أن تشهد الولايات المتحدة عام 2020 «الشتاء الأشدّ قتامة في التاريخ الحديث»، راسماً صورة قاتمة عن قدرة الحكومة الأميركية على إدارة موجة ثانية من الفيروس، يُتوقَّع أن تتزامن مع موسم الإنفلونزا في الشتاء. كما تحدّث عن أن بلاده لا تزال تفتقر إلى خطّة شاملة لتوفير مخزون مِن الإمدادات الأساسية، مثل المسوحات اللازمة لإجراء فحوص الكشف عن المرض، فيما «تتضاءل فرصنا». وقال: «إذا فشلنا في تطوير استجابة وطنية منسّقة تعتمد على العلم، أخشى أن يتفاقم الوباء ويطول وجوده ويتسبّب في أمراض ووفيات غير مسبوقة»، مشيراً إلى أن رؤساءه «رفضوا» تحذيراته في كانون الثاني/ يناير وشباط/ فبراير، بشأن النقص الحادّ في الإمدادات الطبية الضرورية، مثل الكمامات ولوازم الفحوص والأدوية ونقص التمويل. لكن ترامب يبدو واثقاً، كما كرّر أمس رداً على برايت، من التوصل إلى لقاح ضدّ الفيروس بحلول نهاية العام، «وربما في وقت أقرب».
كرّر ترامب حديثه عن إمكانية التوصّل إلى لقاح بحلول نهاية العام


البلاد، الغارقة في كارثة لا تزال تتمدّد، يبدو رئيسها مركزاً على النيل من الصين بوصفها صاحبة الوباء. وفي مواجهة كلاميّة ليست معروفة خواتيمها، لمّح ترامب إلى مزيد من التدهور في العلاقات بين الجانبين، بعدما هدد بقطع جميع العلاقات مع بكين، بسبب طريقة إدارتها للأزمة الصحيّة. ويصرّ ترامب منذ أسابيع على القول إنه كان بالإمكان تجنّب الحصيلة الثقيلة التي تجاوزت 300 ألف وفاة حول العالم لو أن الصين تصرّفت بمسؤولية لدى ظهور الفيروس في ووهان. وفي مقابلة مع «فوكس بزنس» بُثت أول من أمس، عبّر عن شعوره «بخيبة أمل كبيرة» من موقف بكين، رافضاً فكرة التحدّث مباشرة إلى الرئيس شي جين بينغ لتخفيف التوتّر. ولدى سؤاله عن التدابير الانتقامية التي قد يتّخذها، هدّد بقطع العلاقات الثنائية: «إذا فعلنا ذلك، ماذا سيحدث؟ سنوفّر 500 مليار دولار»، هي حجم واردات بلاده من الصين.
كذلك، لفت الرئيس الأميركي إلى أن الوباء أرخى بثقله على الاتفاق التجاري، قائلاً: «ما كان عليهم أن يسمحوا أبداً بحدوث هذا... أبرمت اتفاقاً تجارياً عظيماً، وها أنا الآن أقول إن مشاعري اختلفت. لم يكن الحبر قد جفّ عندما حلّ الوباء. مشاعري اختلفت». لكن مستشار البيت الأبيض، لاري كودلو، سارع إلى التأكيد أن الاتفاق مستمرّ، وأن البلدين ما زالا يعملان على صعيد التجارة، فيما حثت بكين واشنطن على لقائها في منتصف الطريق وتعزيز التعاون في مكافحة «كوفيد ــــ 19»، بما «يخدم المصالح الجوهرية للشعبين، ويؤدي إلى السلام والاستقرار العالميين».