شهدت الساحة السياسية في إسرائيل حالاً من التقلّب والتجاذب، في سياق مساعي تأليف الحكومة، حتى إنها توحي للوهلة الأولى وكأنها باءت بالفشل وأن سيناريو الانتخابات الرابعة قد لا ح من جديد. ما ينبغي تأكيده أن هذه التقلّبات هي جزء من تكتيكات المفاوضات، وهي لا تغيّر في تقدير الاتجاه العام بأن مسار المفاوضات المتواصلة، أو المتقطعة، ينطلق من فرضية مرجّحة جدّاً، وهي أن أغلب الأطراف الأساسيين باتوا حريصين، أكثر من أي وقت مضى، على عدم إجراء انتخابات رابعة.صحيح أنه في ما سبق كان هناك الكثير من العوامل التي تدفع نحو استبعاد العمليتين الانتخابيتين الأخيرتين في آذار وأيلول الماضيين، إلا أن إجراء الانتخابات، لأسباب باتت مفهومة وواضحة، لا يعني بالضرورة أن ذلك سيتكرّر في هذه المحطّة أيضاً. ويعود هذا الاستبعاد إلى العديد من العوامل الحاسمة التي استجدّت، وتُرجّح سيناريو تأليف الحكومة، بغض النظر عن تفاصيل هنا وهناك.
أياً كانت المناورات والرسائل المتبادلة، وبالرغم من الحديث الإعلامي عن «القطيعة التامّة» التي استجدّت بين «الليكود» و«أزرق أبيض»، ومن اتهام بنيامين نتنياهو بأنه تراجع عن كل الاتفاقات، فهذه ليست إلا محطّات في سياق اتجاه تأليف حكومة إسرائيلية. أمّا عن الأسئلة ذات الصلة: متى يتمّ ذلك؟ ووفق أي صيغة؟ ومن هم الأطراف الذين ستتألف منهم؟ وما هي أوزان كلّ منهم؟ فهذه تفاصيل يمكن إزاءها عرض العديد من السيناريوات المحتملة، بدءاً من المضي في الاتفاق الذي تم الحديث عنه، أول من أمس، والإعلان في وقت قريب عن ولادة الحكومة، وصولاً إلى سيناريو انتظار نتنياهو تكليفه بتأليف الحكومة حتى من دون مشاركة «أزرق أبيض» (طبعاً كسيناريو)، وما بينهما من سيناريوات.
أما بخصوص العوامل التي ترجّح كفّة تأليف الحكومة في نهاية المطاف على سيناريو إجراء انتخابات رابعة، فخلاصتها أن الأطراف المتقابلين استنفدوا رهاناتهم، إن لجهة الرهان على إطاحة نتنياهو، شعبياً أو سياسياً، أو لجهة إمكانية تأليف حكومة بديلة برئاسة شخصية غير نتنياهو. أضف أن مستجد انتشار «كورونا»، ومفاعيله الاقتصادية والصحّية، يمثّل عاملاً ضاغطاً في أكثر من اتجاه. وذلك فضلاً عن أنه بعد تفكّك تحالف «أزرق أبيض»، نتيجة صفقة إيصال بيني غانتس إلى رئاسة الكنيست بدعم اليمين، فقد تشّكلت خارطة سياسية حزبية جديدة، تراجعت معها احتمالات إنشاء تكتلات متماسكة قادرة على الوقوف بوجه معسكر اليمين، وهو ما يعني أن مسار تأليف الحكومة قد انطلق، من دون أن يعني ذلك أنه لن يواجه العديد من المطبّات، التي قد تعرقل هنا، أو تغيّر مساراً هناك، أو قد تفاجئ في هذا التفصيل أو ذاك.
في ضوء هذا الإطار الحاكم للحراك السياسي الداخلي، تتراجع أهمّية الكثير من التفاصيل التي يمكن أن تتغيّر في كل يوم. وكمثال على ذلك، توالت أوّل من أمس التقارير عن اقتراب الإعلان عن ولادة الحكومة، ثم بعد ساعات تبدّلت المعطيات وحصلت خلافات بدّدت هذا التقدير... وصولاً إلى الإعلان عن وجود «قطيعة مطلقة» بين «الليكود» و«أزرق أبيض»، وأن القضية العالقة الوحيدة هي تركيبة لجنة تعيين القضاة، بعدما تراجع «أزرق أبيض» عن معارضته لضم مناطق في الضفة الغربية المحتلة لإسرائيل. في المقابل، اتهمت مصادر في تحالف «أزرق أبيض» نتنياهو بأنه يهدف إلى تفجير الاتفاق لتأليف الحكومة، ورد حزب «الليكود» باتهامهم بأنه سرَّبوا بعض التفاصيل التي أدّت إلى وضع عراقيل أمام نتنياهو مقابل كتلة اليمين.
اتّهمت مصادر في تحالف «أزرق أبيض» نتنياهو بأنه يهدف إلى تفجير الاتفاق


في الخلاصة، يمكن وضع أكثر من إطار تفسيري للمستجدّات التي شهدتها الساعات الأخيرة، منها أن تكون جزءاً من مناورات الساعة الأخيرة بهدف تحسين الشروط وتعزيز الصورة، أو أن يكون نتنياهو يراهن على تفويضه بتأليف الحكومة بعد انتهاء فترة تفويض غانتس في الـ 13 من الشهر الجاري، وعلى أمل أن لا يوافق رئيس الدولة، رؤوبين ريفلين، على تمديد تفويضه نتيجة انعدام احتمالات تأليف الحكومة برئاسته. وفي هذه الحالة، يكون نتنياهو قد عزَّز موقعه التفاوضي، وسيكون في موقع من يملي الشروط.
السيناريوات في الطريق إلى تأليف حكومة مفتوحة، لكن اتجاهها محدَّد: نتنياهو رئيساً للحكومة المقبلة.