فرضت إسرائيل إغلاقاً تاماً وحظراً للتجول على «بني براك»، أكبر المدن الحريدية، وسط تقديرات أن فيروس كورونا فتك بأحيائها المكتظّة بسكانها المتدينين وعائلاتهم الكبيرة العدد، بعد رفضهم التوجيهات الصادرة عن السلطات، لاعتقادهم بأن «التوراة» هي وحدها التي تحمي اليهود وتقيهم «شرور وأوبئة العالم». و«بني براك» واحدة من مدن وأحياء الحريديم المنتشرة في فلسطين المحتلة، التي يُقدر أن نصف من ثبت مخبرياً إصابتهم بـ«كورونا» هم من سكانها، فيما ترجح التقديرات أن يكون العدد كبيراً جداً لدى المتدينين، ليصل في تلك المدينة وحدها إلى ما يزيد عن 75 ألفاً، من دون اهتمام حريدي بتسجيل الإصابات أو اتباع الإجراءات العلاجية. وإن كانت اللامبالاة، وكذلك التحدي للسلطات الصحية وللشرطة الموكلة فرض تطبيقها، هي السمة البارزة، فإنها لا تسري على كل المذاهب والطرق الحريدية، في ظل انقسام علني في حد أدنى للرأي والموقف. ومع أن الأمر كان لا مبالاة مشتركة لدى الحريديم في بداية الأزمة، فإن الموقف الرافض مرتكز في الأيام الأخيرة على فرق متديّنة من بينها «ناطوري كارتا» و«فصيل القدس» وغيرهما، ما يكفي لنشر المرض بصورة كبيرة جداً، خاصة مع تحديهم الإجراءات بل اتباعهم كل ما يناقضها. وتعرض وسائل الإعلام العبرية مشاهد دالّة على موقف الحريديم من الفيروس، ومنها اعتمادهم السعال المقصود في وجه الشرطة لإبعادهم، وكذلك نعتهم إياها بالنازية، والصعود على آلياتهم والطرق عليها بأدوات حديدية لإعطابها. ومن المقاطع ما بات منتشراً على وسائل التواصل الاجتماعي، وفيها يظهر أفراد من الشرطة يعملون جاهدين على إجبار حريدي على وضع كمامة على فمه، وهو يجهد للامتناع عن وضعها، في رد فعل شبيه بمن يقاوم إجباره على تناول السم. كذلك، عرض الإعلام تقارير توعوية مع تشفٍّ في الوقت نفسه، حين ذكرت أن تعويذة عقد القران في أحد مقابر «بني براك» (الزواج الأسود) أدت إلى نتيجة معاكسة، إذ تفشى الفيروس في من شارك في التعويذة من الحاخامات.
فُرض إغلاق تام وحظر للتجوّل على «بني براك»، أكبر المدن الحريدية


على خلفية تركّز الفيروس في المدينة، صدر بعد تردد قرار إغلاقها والحظر عليها، الأمر الذي دفع رئيس بلديتها إلى وصف القرار بـ«الجائر»، لأنه حوّل المدينة كما قال إلى «غيتو كبير بقرار يهودي». وصدر القرار رسمياً في وقت متأخر أول من أمس، ونصّ على إجراءات صارمة ضد المدينة الحريدية التي تقع إلى الشرق من تل أبيب ويسكنها أكثر من 200 ألف حريدي. ومن الإجراءات فرض إغلاق عسكري كامل ونشر قوات من لواء المظليين على مداخل «بني براك»، في وقت مبكر أمس، بالتعاون مع عناصر من الشرطة. وكان المدير العام لـ«صندوق مكابي للخدمات الصحية» في إسرائيل، ران ساعر، قد أكد في جلسة متابعة لأوضاع الفيروس وانتشاره في «لجنة كورونا» الخاصة في الكنيست، أن التقديرات تفيد بأن المصابين في «بني براك» وحدها 75 ألفاً، وهو عدد لا يتناسب بالمطلق مع المسجّل رسمياً في المدينة، أي دون الألف. ودعا ساعر إلى فرض حظر شامل ومنع انتقال سكانها خارجها، لمنع انتقال الفيروس إلى مدن أخرى.
في المقابل، تتعاقب مواقف الحاخامات الرافضين للإجراءات الوقائية مع التشديد على مستوى اللاثقة المرتفع بأجهزة الدولة التي يرون أنها تتحرك ضد الحريديم من موقع الكراهية. وقال تسيون بوؤرون، وهو حاخام رفيع المستوى ومقرّب من حزب «شاس» للمتدينين الشرقيين، إن منع المتدينين من إقامة الصلاة جماعة «دون أدنى شك تعبير عن الكراهية وعن إرادة الإضرار بالدين والمتدينين». وكشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن بوؤرون وجّه رسالة إلى الوزيرين الممثلين عن الأحزاب الحريدية في الحكومة، وزير الداخلية أريه درعي، والصحة يعقوب ليتسمان (الذي أعلن إصابته قبل أيام بالفيروس)، حذّر فيها من أنه يجري استخدام الوزيرين «غطاء على كل القرارات الظالمة للحريديم، ما يعني دماراً للدين وخرابه»، معرباً عن الخشية من أن «الإجراءات الصحية تنبع من الكراهية»، علماً أن «الشعب اليهودي والعالم بأسره سينجوان من كورونا، فقط بالصلوات والاستغاثة بالقدّوس تبارك اسمه». وتابع بوؤرون: «هناك تمييز ضد الحريديم من السلطات، ذلك أنهم (الأمن والشرطة) يفرضون التوجيهات بالقوة وبوحشية ومن بينها الضرب وإغلاق الكُنس، بينما في أماكن أخرى (تل أبيب) يصعدون إلى الحافلات من دون قيود، ويرتادون الشواطئ والمراكز التجارية، من دون فرض للقانون بالقوة، ومن دون غرامات مالية».