لتنفيذ أجندتها، لا ترمي الولايات المتحدة الأميركية بشعوب الدول المُعادية لها فقط في النار. فهي قرّرت المُراهنة أيضاً بحياة مواطنيها... الجنود تحديداً. وبعد أن زجّت بهم في حروب «عبثية» على امتداد العالم، ها هي اليوم تضعهم وجهاً لوجه أمام خطر «كورونا»، غير آبهةٍ بآثار الخطوة الكارثية. المعيار الذي تعمل على أساسه الإدارة الأميركية واحد: المصلحة الشخصية، واستغلال الظروف الاستثنائية للكَسب أكثر. في هذا السياق، يندرج قرار البحرية الأميركية، أمس، إعفاء قائد حاملة الطائرات «تيودور روزفلت»، الكابتن بريت كروزير، بعد أن تسرّبت رسالة له يُطالب فيها «باتخاذ إجراءات أشدّ للسيطرة على تفشّي فيروس كورونا على متن الحاملة». فقد بيّنت نتائج الاختبارات إصابة أكثر من 100 فرد، من أصل قرابة الـ5000 بحّار، يواجهون خطر انتقال الوباء إليهم. وبحسب «رويترز»، تحدّث الكابتن كروزير في رسالته عن «وضعٍ قاتم على متن حاملة الطائرات»، داعياً إلى «تحرّك حاسم» لنقل الجنود وعزلهم، «وإذا لم تتصرف البحرية الأميركية على الفور، فستُخفق في توفير الحماية الملائمة للبحارة». إلا أنّه كان للإدارة رأي آخر، يستدعي «تأديب» الكابتن. فقال القائم بأعمال وزير البحرية الأميركي، توماس مودلي، الذي أذاع النبأ، أنّ «القائد أساء التقدير». وذكرت «رويترز» أنّه قد يكون لإقالة كروزير «تأثير على الآخرين في البحرية الذين يتطلعون للتحدّث عن قضايا يواجهونها في وقت تحجب فيه وزارة الدفاع بعض البيانات الأكثر تفصيلاً حول عدوى الفيروس، خشية تقويض تصور استعداد الجيش الأميركي لأزمة أو صراع». تسريب رسالة كرويزر، وضع الإدارة الأميركية في وضع حرج. فإضافةً إلى الأزمة الداخلية التي تعيشها بعد سوء التقدير لخطورة الوباء، وظهور عجز المؤسسات عن مواجهته، خلقت الولايات المتحدة تحدّيات عسكرية، بحاجة إلى جهوزية عالية، وأن تكون «بصورة» تعكس «قوّتها» أمام أعدائها، وليس العكس. في العراق مثلاً، هدّد الرئيس دونالد ترامب من «هجوم خاطف» ضدّ فصائل المقاومة في البلد، بعد أن نصبت القوات الأميركية منظومة «باتريوت» الدفاعية في قاعدة «عين الأسد» (غرب العراق) تحسّباً لأي هجوم صاروخي، وما تلاه من تبادل للتهديدات مع إيران. والجبهة «الساخنة» الثانية، هي في أميركا اللاتينية، التي تُريد واشنطن إعادتها بالقوة «حديقة خلفية» لها. فقد أعلن ترامب الأربعاء «تعزيز العمليات لمكافحة المخدّرات في قارة أميركا الجنوبية لحماية الشعب الأميركي من الآفة القاتلة للمخدّرات غير المشروعة». وكيف ستفعلها واشنطن؟ نقل سفن حربية وطائرات مراقبة إضافية إلى القيادة الجنوبية للجيش الأميركي، التي تُغطي أميركا الجنوبية، بحسب ما أعلن وزير الدفاع، مارك إسبر. لا تريد الولايات المتحدة مُساعدة أحد، بل هي تستغلها في حربها السياسية والاقتصادية ضدّ رئيس فنزويلا، نيكولاس مادورو. وعبّر إسبر بشكل واضح، حين قال إنّ «الفاعلين الفاسدين مثل نظام مادورو غير الشرعي في فنزويلا يعتمدون على تهريب المخدّرات للإبقاء على نظامهم القمعي في السلطة». في حين أنّ رئيس الأركان، مارك مايلي حذّر من أنّه «نحن الجيش الأميركي سنُدافع عن بلادنا مهما كلّف الثمن». لا يُبالغ الرجل بكلامه، فالقيادة الأميركية لا تهتم بملايين الشعوب التي لن تقدر على توفير العلاج أو العناية الصحية، وقد تموت في هذه الظروف، جرّاء العقوبات التي تمنع وصول المساعدات إلى تلك الدول. تُرسل سفنها إلى القيادة الجنوبية للجيش الأميركي، بعد أن وجّهت في 27 آذار اتهامات إلى مادورو ومسؤولين آخرين بـ«تهمة الإرهاب المرتبط بالمخدّرات»، عارضةً مكافأة تصل إلى 15 مليون دولار لمن يُدلي بمعلومات عنه.
بناءً على ذلك، يُمكن فهم كلام وزير الدفاع الأميركي حين قال الثلاثاء إنّ «الوقت ليس مناسباً لإخلاء حاملة الطائرات المُتفشي الفيروس بين طاقمها... ننقل الكثير من الإمدادات والمساعدات... الهدف لا يزال يتمثل في احتواء الفيروس ولا توجد أي حالات خطيرة بين أفراد الطاقم». هكذا حاول ترامب التخفيف من حدّة انتشار الـ«كورونا» في البداية، قبل أن تضرب الكارثة بالولايات الأميركية، وتتحوّل إلى «بؤرة» عالمية.